وصفه بكونه عربياً وإنما يكون عربياً لأن العرب اختصت بوضع ألفاظه في اصطلاحهم وذلك يدل على أنه مجعول والتقدير حم ورب الكتاب المبين، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم يا رب طه ويس ويا رب القرآن العظيم. وأجاب الرازي عن ذلك: بأن هذا الذي ذكرتموه حق لأنكم استدللتم بهذه الوجوه على كون الحروف المتواليات والكلمات المتعاقبة محدثة وذلك معلوم بالضرورة ومن الذي ينازعكم فيه {لعلكم} أي: يا أهل مكة {تعقلون} أي: لتكونوا على رجاء عند من يصح منه الرجاء من أن تفهموا معانيه وأحكامه وبديع وصفه ومعجز وضعه ونظامه فترجعوا عن كل ما أنتم عليه من المغالبة ولا بد أن يقع هذا التعقل فإن القادر إذا عبر بأداة الترجي حقق ما يقع ترجيه ليكون بين كلامه وكلام العاجز فرق وقوله تعالى:

{وإنه} أي: القرآن عطف على إنا أي: مثبت {في أم الكتاب} أي: أصل الكتب وهو اللوح المحفوظ، وقال قتادة: أم الكتاب أصل الكتاب وأم كل شيء أصله، وقال ابن عباس: أول ما خلق الله تعالى القلم فأمره أن يكتب ما يريد أن يخلق فالكتاب مثبت عنده في اللوح المحفوظ كما قال تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} (البروج: 22) ، فإن قيل: ما الحكمة في خلق هذا اللوح المحفوظ مع أنه تعالى علام الغيوب يستحيل عليه السهو والنسيان؟.

أجيب: بأنه تعالى لما أثبت في ذلك أحكام حوادث المخلوقات ثم إن الملائكة إذا شاهدوا أن جميع الحوادث إنما تحدث على موافقة ذلك المكتوب استدلوا بذلك على كمال حكمته وعلمه، وقيل: المراد بأم الكتاب الآيات المحكمة لقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب} (آل عمران: 7)

والمعنى: أن سورة حم واقعة في الآيات المحكمة التي هي الأصل والأم، وقرأ حمزة والكسائي في الوصل بكسر الهمزة والباقون بضمها واتفقوا في الابتداء بالهمزة على الضم وقوله تعالى: {لدينا} أي: عندنا بدل من الجار قبله {لعلي} أي: رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزاً من بينها {حكيم} أي: ذو حكمة بالغة أو محكم في أبواب البلاغة والفصاحة.

{أفنضرب} أي: أنهملكم فنضرب أي: ننجي مجاوزين {عنكم الذكر} أي: القرآن وفي نصب قوله تعالى: {صفحاً} أوجه؛ أحدها: أنه مصدر من معنى نضرب لأنه يقال ضرب عن كذا وأضرب عنه بمعنى أعرض عنه وصرف وجهه عنه قال طرفة:

*اضرب عنك الهموم طارقها ... ضربك بالسيف قونس الفرس*

واضرب بفتح الباء أصله اضربن بنون التوكيد الخفيفة فحذفت النون وحركت الباء بالفتح، والطارق ما يطرق بالليل والقونس: منبت شعر الناصية وهو عظمٌ نابت بين أذني الفرس، ثانيها: أنه منصوب على الحال أي: صافحين ثالثها أن يكون مفعولاً من أجله وقيل غير ذلك {أن} أي: أنفعل ذلك لأن {كنتم قوماً مسرفين} أي: مشركين لا نفعل ذلك وهو في الحقيقة علة مقتضية لترك الإعراض، وقرأ نافع وحمزة والكسائي بكسر الهمزة على أن الجملة شرطية مخرجة للمحقق ومخرج المشكوك استجهالاً لهم وما قبلها دليل الجزاء، وقرأ الباقون بفتحها وذكر تعالى تأنيساً للنبي صلى الله عليه وسلم وتأسية وتعزية وتسلية قوله سبحانه وتعالى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015