أي: لا غيره {الذي ينزل الغيث} أي: المطر الذي يغاث به الناس وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح النون وتشديد الزاي والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي {من بعد ما قنطوا} أي: يئسوا من نزوله وعلموا أنه لا يقدر على إنزاله غيره ولا يقصد فيه سواء ليكون ذلك أدعى لهم إلى الشكر وقال تعالى: {وينشر رحمته} أي: يبسط مطره كما قال تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته} (الأعراف: 57)
وإن كان الأصل بنشره لأنه بين أنه غيث فقال رحمته بياناً وتعميماً، فينزل من السحاب المحمول بالريح من الماء ما لو اجتمع عليه الخلائق ما أطاقوا عمله، فتصبح الأرض ما بين غدران وأنهار ونبات نجم وأشجار وزهر وحب وثمار وغير ذلك من المنافع الصغار والكبار فلله ما أعلى هذه القدرة الباهرة والآية الظاهرة، فيخرج من الأرض التي هي من صلابتها تعجز عنها المعاول نجماً هو في لينه ألين من الحرير وفي لطافته ألطف من النسيم ومن سوق الأشجار التي تنثني فيها المناقير أغصاناً ألطف من ألسنة العصافير، فما أجلف من ينكر إخراجه الموتى من القبور أو يحيد عن ذلك بنوع من الغرور {وهو} أي: لا غيره {الولي} الذي لا أحد أقرب منه إلى عباده في شيء من الأشياء {الحميد} الذي يستحق مجامع الحمد مع أنه يحمد من يطيعه فيزيده من فضله ويصل حبله دائماً بحبله.
{ومن آياته} أي: العظيمة على استحقاقه لجميع صفات الكمال {خلق السموات} التي تعلمون أنها متعددة لما ترون من أمور الكواكب {والأرض} أي: جنسها على ما هما عليه من الهيآت وما اشتملا عليه من المنافع والخيرات وقوله تعالى: {وما بث} أي: فرق ونشر يجوز أن يكون مجرور المحل عطفاً على السموات أو مرفوعه عطفاً على خلق على حذف مضاف، أي: وخلق ما بث، قال أبو حيان: وفيه نظر لأنه يؤول إلى جره بالإضافة لخلق المقدر فلا يعدل عنه {فيهما} أي: في السموات والأرض {من دابة} أي: شيء فيه أهلية الدبيب بالحياة والحركة من الأنس والجن والملائكة وسائر الحيوانات على اختلاف ألوانهم وأصنافهم وأشكالهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وأقطارهم ونواحيهم، فإن قيل: كيف يجوز إطلاق الدابة على الملائكة؟ أجيب: بوجوه أولها: ما مر من أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة والملائكة لهم الروح والحركة، ثانيها: أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة وإن كان فاعله واحداً منهم، ومنه قوله تعالى: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} (الرحمن: 22)
ثالثها: قال ابن عادل: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يمشون مشي الأناسي على الأرض.
وروى العباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بين السماء السابعة والعرش بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش» الحديث. {وهو} أي: لا غيره {على جمعهم} أي: هذه الدواب من ذوي العقول وغيرهم للمحشر بعد تفريقهم بالقلوب والأبدان بالموت وغيره {إذا} في وقت {يشاء قدير} أي: بالغ القدرة كما كان بالغ القدرة عند الإيجاد من العدم يجمعهم في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينقذهم البصر ثم خاطب المؤمنين بقوله تعالى:
{وما أصابكم من مصيبة} أي: بلية وشدة {فبما كسبت أيديكم} أي: من الذنوب، وقرأ نافع وابن عامر بغير فاء والباقون بالفاء لأن ما شرطية