وحده {مقاليد السموات والأرض} أي: خزائنهما ومفاتيح خزائنهما من الإمطار والإنبات وغيرهما، وقد ثبت أنه ابتدعهما وأن له جميع ما فيهما مما اتخذ من دونه ولياً وغيره، قال القشيري: والمفاتيح الخزائن وخزائنه هي مقدوراته ا. هـ. ولما حصر الأمر فيه دل عليه بقوله تعالى: {يبسط الرزق} أي: يوسعه {لمن يشاء} امتحاناً {ويقدر} أي: يضيقه لمن يشاء ابتلاء كما وسع على فارس والروم وضيق على العرب، وفاوت في الأفراد بين أفراد من وسع عليهم ومن ضيق عليهم، فدل ذلك قطعاً على أنه لا شريك له وأنه هو المتصرف وحده، فقطع بذلك أفكار الموفقين من عباده عن غيره ليقبلوا عليه ويتفرغوا له فإن عبادته هي المقاليد بالحقيقة: {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً} (نوح: 10)
الآيات {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} (الطلاق: 11)
{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} (الأعراف: 96)
{ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم} (المائدة: 65)
الآية، ثم علل ذلك بقوله تعالى: {إنه بكل شيء عليم} أي: فلا فعل له إلا وهو جار على أتقن ما يكون من قوانين الحكمة فيفعله على ما ينبغي.
ولما عظم وحيه إلى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم} ذكر تفصيل ذلك بقوله تعالى:
{شرع لكم} أي: طرّق وسنّ طريقاً ظاهراً بيناً واضحاً لكم أيتها الأمة الخاتمة من الطرق الظاهرة المستقيمة {من الدين} وهو ما يعمل فيجازى عليه {ما} الذي {وصى به} توصية عظيمة بعد إعلامه بأنه شرعه {نوحاً} في الزمان الأقدم وهو أول أنبياء الشريعة، قال مجاهد: أوصيناك وإياه يا محمد ديناً واحداً {والذي أوحينا إليك} أي: من القرآن وشرائع الإسلام {وما وصينا} أي: بما لنا من العظمة الباهرة التي ظهرت بها تلك المعجزات {به إبراهيم} الذي نجيناه من كيد نمروذ بالنار وغيرها ووهبنا له على الكبر إسماعيل وإسحاق، وقرأ هشام بفتح الهاء وألف بعدها، والباقون بكسر الهاء وياء بعدها {وموسى} الذي أنزلنا عليه التوراة موعظة وتفصيلاً لكل شيء {وعيسى} الذي أنزلنا عليه الإنجيل هدى ونوراً وموعظة، وادخرناه في سمائنا لتأييد شريعة الفاتح الخاتم صلى الله عليه وسلم
ثم بين المشروع الموصى به والموحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {أن أقيموا} أي: أيها المشروع لهم من هذه الأمة الخاتمة ومن الأمم الماضية {الدين} وهو الإيمان بما يجب تصديقه والطاعة في أحكام الله تعالى، ومحله النصب على البدل من مفعول شرع أو الرفع على الاستئناف كأنه جواب، وما ذلك المشروع أو الجر على البدل من هاء به.
ولما عظمه بالأمر بالاجتماع أتبعه بالتعظيم بالنهي عن الافتراق بقوله تعالى: {ولا تتفرقوا فيه} أي: ولا تختلفوا في هذا الأصل إما فروع الشرائع المختلفة فقال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (المائدة: 48)
وقال قتادة: الموصى به تحليل الحلال وتحريم الحرام، وقال الحكم: تحريم الأمهات والبنات والأخوات، وقال مجاهد: لم يبعث الله تعالى نبياً إلا وصاه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والإفراد لله تعالى بالطاعة فذلك دينه الذي شرعه، وقيل: هو التوحيد والبراءة من الشرك، وجرى على هذا الجلال المحلي والكل يرجع إليه {كبر} أي: عظم وشق {على المشركين} حتى