{ألا إنهم} أي: هؤلاء الكفرة {في مرية} أي: جحد وجدال وشك وضلال عن البعث {من لقاء ربهم} أي: المحسن إليهم بأن خلقهم ورزقهم لإنكارهم البعث، ثم كرر كونه قادراً على البعث وغيره بقوله تعالى: {ألا إنه} أي: هذا المحسن إليهم {بكل شيء} أي: من الأشياء جملتها وتفصيلها كلياتها وجزئياتها أصولها وفروعها غيبتها وشهادتها ملكها وملكوتها {محيط} قدرة وعلماً بكثير الأشياء وقليلها كلياتها وجزئياتها فيجازيهم بكفرهم، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ السجدة أعطاه الله بكل حرف عشر حسنات» حديث موضوع.
مكية وهي ثلاث وخمسون آية وثمانمائة وست وستون كلمةوثلاثة آلاف وخمسمائة وثمانية وثمانون حرفاً
{بسم الله} الذي أحاط بصفات الكمال {الرحمن} الذي عمت رحمته سائر عباده {الرحيم} الذي خص أولياءه بما ترضاه إلهيته من رحمته وقوله تعالى:
{حم} {عسق} تقدم الكلام في أمثال هذه الفواتح وسئل الحسن بن الفضل: لم قطع حم عسق ولم يقطع كهيعص؟ فقال: لأنها سورة أولها حم فجرت مجرى نظائرها فكان حم مبتدأ وعسق خبره، ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل كهيعص والمص والمر عدت آية واحدة. وقيل: لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف تهج لا غير. واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلاً، وقيل: معناها حم أي: قضى ما هو كائن، روى عكرمة عن ابن عباس أنه قال: ح حلمه م مجده ع علمه س سناؤه ق قدرته أقسم الله تعالى بها. وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح: ح: حرب قريش يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز في قريش، م: ملك يتحول من قوم إلى قوم، ع: عداوة لقريش يقصدهم سن سنين كسني يوسف تكون فيهم، ق: قدرة الله تعالى النافذة في خلقه. وروي عن ابن عباس أنه قال ليس من نبي صاحب كتاب إلا وأوحيت إليه حم عسق فلذلك قال تعالى:
{كذلك} أي: مثل هذا الإيحاء العظيم الشأن {يوحى إليك} أي: ما دمت حياً لا يقطع ذلك عنك {وإلى} أي: وأوحى إلى {الذين من قبلك} أي: من الرسل الكرام والأنبياء الأعلام ومن جملة ما أوحى إليهم أن أمتك أكثر الأمم وأنك أشرف الأنبياء وأخذ على كل منهم العهد باتباعك وأن يكونوا من أنصارك وأتباعك وقوله تعالى: {الله} أي: الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال فاعل الإيحاء.
ولما كان نفوذ الأمر دائراً على العزة والحكمة قال تعالى: {العزيز} أي: الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء {الحكيم} الذي يصنع ما يصنعه في أتقن محاله فلذلك لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه ولا نقص ما أحكمه.
تنبيه: ما تقرر من أن الله تعالى فاعل الإيحاء هو على قراءة كسر الحاء من يوحي وهي قراءة غير ابن كثير، وأما على قراءة ابن كثير بفتح الحاء فيجوز أن يرتفع بفعل مضمر كأنه قيل: من يوحيه فقيل الله ك {يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال} (النور: 36 ـ 37)
ويجوز أن يرتفع بالابتداء وما بعده خبر