والكسائي بالهاء، والباقون بالتاء، وأمال الكسائي الهاء في الوقف {وخسر} أي: هلك أي: تحقق وتبين أنه خسر {هنالك الكافرون} أي: العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبين الكفر.
تنبيه: هنالك في الأصل اسم مكان قيل: استعير هنا للزمان ولا حاجة له فالمكانية فيه ظاهرة، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة المؤمن لم يبق روح نبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن إلا صلى عليه واستغفر له» حديث موضوع. وعن ابن سيرين رأى رجل في المنام سبع جوار حسان في مكان واحد لم ير أحسن منهن فقال لهن: لمن أنتن فقلن لمن يقرأ آل حم.
مكية وتسمى فصلت وهي أربع وخمسون آية وسبعمائةوتسعة وتسعون كلمة وثلاثة آلاف وثلاثمئة وخمسون حرفاً
{بسم الله} الذي له أوصاف الكمال {الرحمن} الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً {الرحيم} الذي فصل الكتاب تفصيلاً وبينه غاية البيان، وتقدم الكلام على قوله تعالى:
{حم} ثم إن جعلتها اسماً للسورة كانت في موضع الابتداء وخبره.
{تنزيل من الرحمن الرحيم} وإن جعلتها تعديداً للحروف كان تنزيل خبر المبتدأ محذوف أي: هذا تنزيل وقال الأخفش: تنزيل رفع بالابتداء وخبره.
{كتاب} فصلت، وجرى على ذلك الجلال المحلي {فصلت} أي: بينت {آياته} بالأحكام والقصص والمواعظ بياناً شافياً في اللفظ والمعنى حال كونه {قرآناً} أي: جامعاً مع التفصيل وهو مع جمع اللفظ وضبطه منثور اللؤلؤ منتشر المعاني لا إلى حد ولا نهاية عد بل كلما دقق النظر جل المفهوم، ولذلك قال تعالى: {عربياً} لأن لسان العرب أوسع الألسن ساحة وأعمقها عمقاً وأغمرها باحة وأرفعها بناء وأفصحها لفظاً وأبينها معنى وأجلها في النفوس وقعاً، وفي ذلك امتنان لسهولة قراءته وفهمه، وقوله تعالى: {لقوم يعملون} أي: العربية أو لأهل العلم وهو النظر وهو متعلق بفصلت أي: فصلت لهؤلاء وبينت لهم لأنهم هم المنتفعون بها وإن كانت مفصلة في نفسها لجميع الناس، أو بمحذوف صفة لقرآناً أي: كائناً لهؤلاء خاصة لما تقدم من المعنى.
تنبيه: حكم الله تعالى على هذه السورة بأشياء أولها: كونها تنزيلاً والمراد المنزل والتعبير عن المفعول بالمصدر مجاز مشهور كقولك هذا بناء الأمير أي: مبنيه وهذا الدرهم ضرب السلطان أي: مضروبه ومعنى كونها منزلة أن الله تعالى كتبها في اللوح المحفوظ وأمر جبريل عليه السلام أن يحفظ الكلمات ثم ينزل بها على محمد صلى الله عليه وسلم ويؤديها إليه، فلما حصل تفهم هذه الكلمات بواسطة جبريل عليه السلام سمي لذلك تنزيلاً.
وثانيها: كون ذلك التنزيل من الرحمن الرحيم، وذلك يدل على أن ذلك التنزيل نعمة عظيمة من الله تعالى لأن الفعل المقرون بالصفة لابد وأن يكون مناسباً لتلك الصفة، فكونه تعالى رحماناً رحيماً صفتان دالتان على كمال الرحمة والتنزيل المضاف إلى هاتين الصفتين لا بد وأن يكون دالاً على أعظم وجوه الرحمة والنعمة، والأمر كذلك لأن الخلق في هذا العالم كالمرضى