مسلم قالت: قلت يا رسول الله ما مكثه في الأرض؟ قال: «أربعون يوماً يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا اقدروا له قدراً، قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح» . وفي رواية أبي داود: «فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف فإنها جواركم من فتنته» ومنه: «ثم ينزل عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق فيدركه عند باب لد فيقتله» وعن حذيفة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن مع الدجال إذا خرج ماء وناراً، فأما الذي يرى الناس أنه نار فماء بارد وأما الذي يرى الناس أنه ماء فنار تحرق، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يرى الناس أنه نار فإنه ماء عذب بارد» . وعن أبي هريرة: «ألا أحدثكم حديثاً عن الدجال ما حدث به نبي قومه إنه أعور وإنه يجيء بمثال الجنة والنار فالتي يقول: إنها الجنة هي النار وإني أنذركم كما أنذر نوح قومه» وعن المغيرة بن شعبة قال: «ما سأل أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدجال أكثر ما سألته وأنه قال لي: ما يضرك قلت إنهم يقولون: أن معه جبال خبز ونهر ماء قال: هو أهون على الله من ذلك» .
أي: أهون على الله من أن يجعل ما خلق الله بيده مضلاً للمؤمنين ومشككاً لقلوبهم، بل إنما جعله الله تعالى ليزدادوا إيماناً وتثبت الحجة على الكافرين والمنافقين، وليس معناه ليس معه شيء من ذلك لما مر في الحديث أن معه ماء وناراً وذكر فيه أحاديث كثيرة، وفي هذا القدر تذكرة لأولي الألباب أجارنا الله تعالى وأحبابنا من فتنته آمين.
ولما بين تعالى أن القول بالقيامة حق وكان من المعلوم بالضرورة أن الإنسان لا ينتفع في يوم القيامة إلا بطاعة الله والتضرع إليه لا جرم كان الاشتغال بالطاعة من أهم المهمات.
ولما كان أشق أنواع الطاعات الدعاء والتضرع لا جرم أمر الله تعالى به فقال سبحانه:
{وقال ربكم} أي: المحسن إليكم بهدايتكم ووعدكم النصرة {ادعوني} أي: اعبدوني دون غيري {أستجب لكم} أي: أثبكم وأغفر لكم بقرينة قوله تعالى: {إن الذين يستكبرون} أي: يوجدون الكبر {عن عبادتي} أي: عن الاستجابة لي فيما دعوت إليه من العبادة بالمجادلة في آياتي والإعراض عن دعائي {سيدخلون} أي: بوعد لا خلف فيه {جهنم} فتلقاهم جزاء على كفرهم بالتجهم والعبوسة والكراهة {داخرين} أي: صاغرين حقيرين ذليلين وإن فسر الدعاء بالسؤال كان الاستكبار الصارف عنه منزلاً منزلته للمبالغة والمراد بالعبادة: الدعاء فإنه من أبوابها، روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء مخ العبادة» وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يسأل الله تعالى يغضب عليه» ، فإن قيل: أنه صلى الله عليه وسلم قال حكاية عن ربه عز وجل: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» فهذا يقتضي أن ترك الدعاء أفضل فكيف من لم يسأل الله يغضب؟ أجيب: بأنه إن كان مستغرقاً في الثناء على الله تعالى فهو أفضل من الدعاء لأن الدعاء طلب الجنة والاستغراق في معرفة الله تعالى وجلاله أفضل من طلب الجنة وإلا فالدعاء أفضل، وعن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله