وغيرهم، وما زال أهل البلاء يتوقعون الرخاء وأهل الرخاء يتوقعون البلاء ونبه بقوله: {في الأرض} أي: أرض مصر على الاحتياج ترهيباً لهم وعرفها لأنها كالأرض كلها لحسنها وجمعها المنافع ثم حذرهم من سخط الله تعالى فقال: {فمن ينصرنا} أي: أنا وأنتم أدرج نفسه فيهم عند ذكر الشر بعد إفراده لهم بالملك إبعاداً للتهمة وحثاً على قبول النصيحة. {من بأس الله} أي: الذي له الملك كله {إن جاءنا} أي: غضباً لهذا الذي يدعي أنه أرسله فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله تعالى بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد.
ولما قال المؤمن هذا الكلام {قال فرعون} أي: لقومه جواباً لما قاله هذا المؤمن: {ما أريكم} من الآراء {إلا ما أرى} أي: إنه صواب على قدر مبلغ علمي ولا أرى لكم إلا ما أرى لنفسي، وقال الضحاك: ما أعلمكم إلا ما أعلم {وما أهديكم} أي: بما أشرت به عليكم من قتل موسى وغيره {إلا سبيل الرشاد} أي: الذي أرى أنه صواب لا أظهر شيئاً وأبطن غيره.
ولما ظهر لهذا المؤمن أن فرعون ذل لكلامه ارتفع إلى أصرح من الأسلوب الأول كما أخبرنا الله تعالى بقوله:
{وقال الذي آمن} أي: بعد قول فرعون هذا الكلام الذي دل على عجزه وجهله وذله {يا قوم} وأكد لما رأى عندهم من إنكار أمره وخاف منهم اتهامه فقال: {إني أخاف عليكم} أي: من المكابرة في أمر موسى عليه السلام {مثل يوم الأحزاب} أي: أيام الأمم الماضية يعني وقائعهم وجمع الأحزاب مع التفسير أغنى عن جمع اليوم مع أن إفراده أردع وأقوى في التخويف وأفظع للإشارة إلى قوة الله تعالى وأنه قادر على إهلاكهم في أقل زمان.
ولما أجمل فصل وبين أو أبدل بعد أن هول بقوله:
{مثل دأب} أي: عادة {قوم نوح} أي: فيما دهمهم من الهلاك الذي محقهم فلم يطيقوه مع ما كان فيهم من قوة المجادلة والمقاومة لما يريدونه {وعاد وثمود} مع ما بلغكم من جبروتهم.
تنبيه: لابد من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم.
ولما كان هؤلاء أقوى الأمم اكتفى بهم وأجمل من بعدهم فقال: {والذين من بعدهم} أي: بالقرب من زمانهم كقوم لوط {وما الله} أي: الذي له الإحاطة بأوصاف الكمال {يريد ظلماً للعباد} أي: فلا يهلكهم إلا بعد إقامة الحجة عليهم ولا يهلكهم بغير ذنب ولا يخلي الظالم منهم بغير انتقام وهو أبلغ من قوله تعالى: {وما ربك بظلام للعبيد} (فصلت: 46)
من حيث أن المنفي فيه حدوث تعلق إرادته بالظلم.
ولما أشرق من آفاق هذا الوعظ شمس البعث ونور الحشر قال:
{ويا قوم إني أخاف عليكم} وقوله: {يوم التناد} أجمع المفسرون أنه يوم البعث وفي تسميته بهذا الاسم وجوه؛ أولها: أن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار كما حكى الله تعالى عنهم، ثانيها: قال الزجاج: هو قوله تعالى {يوم ندعو كل أناس بإمامهم} (الإسراء: 71)
ثالثها: ينادي بعض الظالمين بعضاً بالويل والثبور فيقولون يا ويلنا. رابعها: ينادون إلى المحشر. خامسها: ينادى المؤمن {هاؤم اقرؤوا كتابيه} (الحاقة: 19)
والكافر {يا ليتني لم أوت كتابيه} (الحاقة: 25)
. سادسها: ينادى باللعنة على الظالمين. سابعها: يجاء بالموت على صورة كبش أملح ثم يذبح بين الجنة والنار ثم ينادى يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت. ثامنها: ينادى بالسعادة والشقاوة إلا أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً وفلان بن فلان شقى شقاوة لا يسعد بعدها أبداً وهذه الأمور كلها