وقرأ ابن كثير بفتح الياء والباقون بالسكون.

ثم ذكر فرعون السبب الموجب لقتل موسى عليه السلام وهو إما فساد الدين أو فساد الدنيا فقال: {إني أخاف} أي: إن تركته {أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد} أي: لا بد من وقوع أحد الأمرين إما فساد الدين، وإما فساد الدنيا. أما فساد الدين فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو دينهم الذي كانوا عليه فلما كان موسى عليه السلام ساعياً في إفساده اعتقدوا أنه ساع في إفساد الدين الحق، وأما فساد الدنيا فهو أن يجتمع عليه أقوام ويصير ذلك سبباً في وقوع الخصومات وإثارة الفتن، وبدأ فرعون بذكر الدين أولاً لأن حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم.

ولما توعد فرعون موسى عليه السلام بالقتل لم يأت في دفع شره إلا بأن استعان بالله واعتمد على فضله كما قال تعالى:

{وقال موسى إني عذت} أي: اعتصمت عند ابتداء الرسالة {بربي} ورغبهم في الاعتصام به وثبتهم بقوله: {وربكم} أي: المحسن إلينا أجمعين وأرسلني لاستنقاذكم من أعداء الدين والدنيا {من كل متكبر} أي: عات طاغ متعظم على الحق هذا وغيره {لا يؤمن} أي: لا يتجدد له تصديق {بيوم الحساب} من ربه له وهو يعلم أنه لا بد من حسابه هو لمن تحت يده من رعاياه وعبيده فيحكم على ربه بما لا يحكم به على نفسه، وبهذين الأمرين يقدم الإنسان على اتقاء الناس لأن المتكبر القاسي القلب قد يحمله طبعه عن إيذاء الناس إلا أنه إذا كان مقراً بالبعث والحساب صار خوفه من الحساب مانعاً له عن الجري على موجب تكبره، فإذا لم يحصل له الإيمان بالبعث والقيامة كان طبعه داعياً له إلى الإيذاء لأن المانع وهو الخوف من السؤال والحساب زائل فلا جرم تعظم القسوة والإيذاء. واختلف في الرجل المؤمن في قوله تعالى:

{وقال رجل مؤمن} أي: راسخ الإيمان {من آل فرعون} أي: من وجوههم ورؤسائهم {يكتم إيمانه} أي: يخفيه خفاء شديداً خوفاً على نفسه، فقال مقاتل والسدي: كان قبطياً ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله تعالى عنه: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} (القصص: 20) ، وقيل: كان إسرائيلياً، وعن ابن عباس: لم يكن في آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وغير المؤمن الذي أنذر موسى عليه السلام الذي قال: إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الصديقون حبيب النجار مؤمن آل يس، ومؤمن آل فرعون الذي قال {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله} (غافر: 28)

والثالث أبو بكر الصديق وهو أفضلهم» . وعن جعفر بن محمد أن مؤمن آل فرعون قال ذلك سراً وقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه جهاراً {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله} وروي عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً وقال له: أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباؤنا؟ قال: أنا ذلك فأقبل أبو بكر رضي الله تعالى عنه فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم} فكان أبو بكر أشد من ذلك» . وعن أنس بن مالك قال: «ضربوا رسول الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015