شركاء لله تعالى، وقرأ نافع وهشام تدعون بتاء الخطاب للمشركين والباقون بياء الغيبة إخباراً عنهم بذلك.

ولما أخبر تعالى أنه لا فعل لشركائهم وأن الأمر له وحده قال تعالى مؤكداً لأجل أن أفعالهم تقتضي إنكار ذلك {إن الله} أي: المنفرد بصفات الكمال {هو} أي: وحده {السميع} أي: لجميع أقوالهم {البصير} أي: بجميع أفعالهم، ففي ذلك تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وقضائه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويفعلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه، فثبت أن الأمر له وحده فما تنفعهم شفاعة الشافعين ولا تقبل فيهم من أحد شفاعة بعد الشفاعة العامة التي هي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون، فإن كان أحد يحجم عنها حتى يصل الأمر إليه صلى الله عليه وسلم فيقول: أنا لها أنا لها، ثم يذهب إلى المكان الذي أذن له فيه فيشفع فيشفعه الله تعالى، فيفصل سبحانه وتعالى بين الخلائق ليذهب كل أحد إلى داره جنته أو ناره.

ولما أوعدهم سبحانه بصادق الأخبار عن قوم نوح ومن تبعهم من الكفار وختمه بالإنذار بما يقع في دار القرار للظالمين الأشرار أتبعه الوعظ والتخويف بالمشاهدة ممن تتبع الديار، والاعتبار بما كان لهم فيها من عجائب الآثار فقال عز من قائل:

{أولم يسيروا في الأرض} أي: في أي أرض ساروا فيها {فينظروا} أي: نظر اعتبار كما هو شأن أهل البصائر {كيف كان عاقبة} أي: آخر أمر {الذين كانوا} أي: سكاناً للأرض عريقين في عمارتها {من قبلهم} أي: قبل زمانهم من الكفار كعاد وثمود {كانوا هم} أي: المتقدمون لما لهم من القوة الظاهرة والباطنة {أشد منهم} أي: من هؤلاء {قوة} أي: ذوات ومعاني وإنما جيء بالفصل وحقه أنه يقع بين معرفتين لمضارعة أفعل من المعرفة في امتناع دخول اللام عليه، وقرأ ابن عامر منكم بكاف والباقون بهاء الغيبة {و} أشد {آثاراً في الأرض} لأن آثارهم لم يندرس بعضها إلى هذا الزمان وقد مضى عليه ألوف من السنين، وأما المتأخرون فتنطمس آثارهم في أقل من قرن ومع قوتهم {فأخذهم الله} أي: الذي له صفات الكمال أخذ غلبة وقهر وسطوة {بذنوبهم} أي: بسببها {وما كان لهم} من شركائهم الذين ضلوا بهم هؤلاء ومن غيرهم {من الله} أي: المتصف بجميع صفات الكمال {من واق} أي: يقيهم عذابه والمعنى: أن العاقل من اعتبر بغيره وأن الذين مضوا من الكفار كانوا أشد قوة من هؤلاء، ولما كذبوا رسلهم أهلكهم الله تعالى عاجلاً، وقرأ ابن كثير في الوقف بالياء بعد القاف والباقون بغير ياء واتفقوا على التنوين في الوصل. ثم ذكر تعالى سبب أخذهم بقوله تعالى:

{ذلك} أي: الأخذ العظيم {بأنهم} أي: الذين كانوا من قبل {كانت تأتيهم رسلهم بالبينات} أي: الآيات الدالة على صدقهم دلالة هي من وضوح الأمر بحيث لا يسع منصفاً إنكارها، وقرأ أبو عمرو بسكون السين والباقون بضمها.

ولما كان مطلق الكفر كافياً في العذاب عبر بالماضي فقال تعالى: {فكفروا} أي: سببوا عن إتيان الرسل عليهم السلام إليهم الكفر بهم {فأخذهم الله} أي: الملك الأعظم أخذ غضب {إنه قوي} أي: متمكن مما يريد غاية التمكن {شديد العقاب} لا يؤبه بعقاب دون عقابه.

ولما سلَّى تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بذكر الكفار الذين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015