السرائر} (الطلاق: 9)
والأولى أيضاً أن تفسر الآية بما يشمل الجميع كما قال تعالى: {لا يخفى على الله} أي: المحيط علماً وقدرة {منهم} أي: من أعمالهم وأحوالهم {شيء} وإن دق وخفي ويقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق {لمن الملك اليوم} أي: يا من كانوا يعملون أعمال من يظن أنه لا يقدر عليه أحد، فلا يجيبه أحد فيجيب نفسه فيقول تعالى: {لله} أي: الذي له جميع صفات الكمال ثم دل على ذلك بقوله تعالى: {الواحد} أي: الذي لا يمكن أن يكون له ثان بشركة ولا قسيمة ولا غيرهما {القهار} أي: الذي قهر الخلق بالموت، وقيل: يجيبونه بلسان الحال أو المقال فيقولون ذلك، وقال الرازي: لا يبعد أن يكون السائل والمجيب هو الله تعالى، ولا يبعد أيضاً أن يكون السائل جمعاً من الملائكة والمجيب جمعاً آخرين وليس على التعيين، فإن قيل: الله تعالى لا يخفى عليه شيء منهم في جميع الأيام فما معنى تقييد هذا العلم بذلك اليوم؟ أجيب: بأنهم كانوا يتوهمون في الدنيا أنهم إذا استتروا بالحيطان والحجب أن الله تعالى لا يراهم وتخفى عليه أعمالهم فهم في ذلك اليوم صائرون من البروز والانكشاف إلى حال لا يتوهمون فيها مثل ما يتوهمون في الدنيا كما قال تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون} (فصلت: 22)
وقال تعالى: {يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم} (النساء: 108)
وهو معنى قوله تعالى: {وبرزوا لله الواحد القهار} (إبراهيم: 48)
ولما أخبر تعالى عن إذعان كل نفس بانقطاع الأسباب أخبرهم بما يزيد رعبهم ويبعث رغبتهم وهو نتيجة تفرده بالملك فقال تعالى:
{اليوم تجزى} أي: تقضى وتكافأ {كل نفس بما} أي: بسبب ما {كسبت} أي: عملت لا تترك نفس واحدة لأن العلم قد شملهم والقدرة قد أحاطت بهم وعمتهم، والحكمة قد منعت إهمال أحد منهم فيجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته {لا ظلم اليوم} أي: بوجه من الوجوه {إن الله} أي: التام القدرة الشامل للعلم {سريع الحساب} أي: بليغ السرعة فيه لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره في وقت حساب ذلك الغير ولا يشغله شأن عن شأن لأنه تعالى لا يحتاج إلى تكلف عدّ ولا يفتقر إلى مراجعة كتاب ولا شيء، فكان في ذلك ترجية وخوف الفريقين لأن المؤمن يرجو إسراع البسط بالثواب والظالم يخشى إسراع الأخذ بالعذاب، وعن ابن عباس: إذا أخذ في حسابهم لم يقل أهل الجنة إلا فيها ولا أهل النار إلا فيها.
ثم نبه تعالى بقوله سبحانه:
{وأنذرهم يوم الآزفة} أي: القيامة على أن يوم القيامة قريب، ونظيره قوله تعالى: {اقتربت الساعة} (القمر: 1)
قال الزجاج: إنما قيل لها آزفة لأنها قريبة وإن استبعد الناس مداها لأن ما هو كائن قريب، والآزفة فاعلة من أزف الأمر إذا دنا وحضر كقوله تعالى في صفة القيامة: {أزفت الآزفة} (النجم: 57)
أي: قربت قال النابغة:
*أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكان وقد*
وقال كعب بن زهير:
*بان الشباب وهذا الشيب قد أزفا ... ولا أرى لشباب بائن خلفا*
تنبيه: الآزفة: نعت لمحذوف مؤنث كيوم القيامة الآزفة أو يوم المجازاة الآزفة، قال القفال: وأسماء القيامة تجري على التأنيث كالطامة والحاقة لأنها مرجع معناها على الداهية، ويوم القيامة له أسماء كثيرة تدل على أهواله باعتبار مواقفه وأحواله، منها يوم البعث وهو ظاهر