يأتي سبحانه بكلمة في حق الكفار فتدل على هوانهم بعقابهم، ويأتي بتلك الكلمة بعينها وهيئتها في حق المؤمنين فتدل على إكرامهم بحسن ثوابهم فسبحان من أنزله معجز المباني وتمكن المعاني عذب الموارد والمثاني.
وقيل: إن المحبة والصداقة باقية بين المتقين إلى يوم القيامة كما قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدواً إلا المتقين} (الإحزاب: 67)
فإذا قيل لواحد منهم: اذهب إلى الجنة فيقول: لا أدخلها إلا مع أحبابي وأصدقائي فيتأخرون لهذا السبب فحينئذ يحتاجون إلى السوق إلى الجنة.
ولما ذكر تعالى السوق ذكر غايته بقوله تعالى: {حتى إذا جاؤوها} اختلف في جواب إذا على أوجه أحدها قوله تعالى: {وفتحت أبوابها} والواو زائدة وهو رأي الكوفيين والأخفش، وإنما جيء هنا بالواو دون التي قبلها لأن أبواب السجون مغلقة عادة إلى أن يجيئها صاحب الجريمة فتفتح له ثم تغلق عليه فناسب ذلك عدم الواو فيها بخلاف أبواب السرور والفرح فإنها تفتح انتظاراً لمن يدخلها، فعلى هذا أبواب جهنم تكون مغلقة لا تفتح إلا عند دخول أهلها فيها، فأما أبواب الجنة ففتحها يكون مقدماً على دخولهم إليها كما قال تعالى: {جنات عدن مفتحة لهم الأبواب} (ص: 50)
فلذلك جيء بالواو فكأنه قال: حتى إذا جاؤوها وقد فتحت أبوابها.
ثانيها قوله تعالى: {وقال لهم خزنتها} أي: بزيادة الواو أيضاً أي: حتى إذا جاؤوها قال لهم خزنتها، ثالثها: قال الزجاج: القول عندي إن الجواب محذوف تقديره دخلوها بعد قوله تعالى: {إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها} أي: حين الوصول {سلام عليكم} تعجيلاً للمسرة بالبشارة بالسلامة التي لا عطب فيها {طبتم} أي: صلحتم لسكناها لأنها دار طهرها الله تعالى من كل دنس وطيبها من كل قذر فلا يدخلها إلا مناسب لها موصوف بصفتها فما أبعد أحوالنا من تلك المناسبة وما أضعف سعينا في اكتساب تلك الصفة إلا أن يهب لنا الوهاب الكريم توبة نصوحاً تنقي أنفسنا من درن الذنوب وتميط وضر هذه القلوب ثم سببوا عن ذلك {فادخلوها خالدين} أي: مقدرين الخلود. وسمى بعضهم الواو في قوله تعالى: {وفتحت} واو الثمانية قال: لأن أبواب الجنة ثمانية وكذا قالوا في قوله تعالى: {وثامنهم كلبهم} (الكهف: 22)
وقيل: تقدير الجواب {حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها} يعني أن الجواب بلفظ الشرط ولكنه بزيادة تقييده بالحال فلذلك صح، وقدره الجلال المحلي بقوله: دخلوها وقال: إن قوله تعالى:
{وقالوا} عطف على دخلوها المقدر {الحمد} أي: الإحاطة بأوصاف الكمال {لله} أي: الملك الأعظم {الذي صدقنا وعده} في قوله تعالى: {تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً} (مريم: 63)
فطابق قوله الواقع الذي وجدناه في هذه الساعة {وأورثنا} كما وعدنا {الأرض} أي: الأرض التي لا أرض في الحقيقة غيرها وهي أرض الجنة التي لا كدر فيها بوجه وفيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وقولهم: {نتبوأ} أي: ننزل {من الجنة حيث نشاء} جملة حالية وحيث ظرف على بابها وقيل: مفعول به، وإنما عبر عن أرض الجنة بالأرض لوجهين؛ أحدهما: أن الجنة كانت في أول الأمر لآدم عليه السلام لأنه تعالى قال: {فكلا منها رغداً حيث شئتما} فلما عادت الجنة إلى أولاد آدم عليه السلام كان ذلك سبباً للإرث، ثانيها: أن الوارث ينصرف فيما ورثه كيف شاء من غير منازع فكذلك المؤمنون يتصرفون