والأخريان للجواب.
ولما كان التقدير لا تشرك بنا عطف عليه قوله تعالى:
{بل الله} أي: المتصف بصفات الكمال وحده {فاعبد} أي: مخلصاً له العبادة {وكن من الشاكرين} أي: العريقين في هذا الوصف لأنه جعلك خير الخلائق أجمعين.
ولما حكى الله تعالى عن المشركين أنهم أمروا الرسول بعبادة الأصنام، ثم إنه تعالى أقام الدلائل على فساد قولهم وأمر الرسول أن يعبد الله ولا يعبد سواه، وبين أنهم لو عرفوا الله تعالى حق معرفته لما جعلوا هذه الأشياء الخسيسة مشاركة له في العبودية قال:
{وما قدروا الله} أي: الملك الأعظم {حق قدره} أي: ما عظموه حق عظمته حين أشركوا به غيره مع أنهم لو استغرقوا الزمان كله في عبادته وخالص طاعته بحيث لم يخل شيء منه عنها لما كان ذلك حق قدره فكيف إذا خلا بعضه عنها فكيف إذا عدل به غيره.
ولما بين أنهم ما عظموه تعظيماً لائقاً به أردفه بما يدل على كمال عظمته بقوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته} وهو مبتدأ وخبر في محل نصب على الحال أي: ما عظموه حق عظمته والحال أنه موصوف بهذه القدرة الباهرة كقوله تعالى: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم} (البقرة: 28)
أي: كيف تكفرون بمن هذا وصفه وحال ملكه كذا، وجميعاً حال وهي دالة على أن المراد بالأرض: الأرضون لأن هذا التأكيد لا يحسن إدخاله إلا على الجمع، وقدم الأرض على السموات لمباشرتهم لها ومعرفتهم بحقيقتها.
ولما كان في هذه الدنيا من يدعي الملك والقهر والعظمة والقدرة وكان الأمر في الآخرة بخلاف هذا لانقطاع الأسباب قال تعالى: {يوم القيامة} ولا قبضة هناك لا حقيقة ولا مجازاً وكذا الطي واليمين وإنما هو تمثيل وتخييل لتمام القدرة.
ولما كانوا يعلمون أن السموات سبع متطابقة بما يشاهدونه من سير النجوم جمع ليكون مع جميعاً كالتصريح في جمع الأرض أيضاً في قوله تعالى: {والسموات مطويات} أي: مجموعات {بيمينه} قال الإمام الرازي: وههنا سؤالات؛ الأول: أن العرش أعظم من السموات السبع والأرضين السبع ثم إنه تعالى قال في صفة العرش {ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية} (الحاقة: 17) ، فإذا وصف الملائكة بكونهم حاملين العرش العظيم فكيف يجوز تقرير عظمة الله عز وجل بكونه حاملاً للسموات والأرض؟ وأجاب: بأن مراتب التعظيم كثيرة.
فأولها: تقرير الله بكونه قادراً على هذه الأجسام العظيمة كما أن حفظها وإمساكها يوم القيامة عظيم، ثم بعده تقرير عظمته بكونه قادراً على إمساك أولئك الملائكة الذين يحملون العرش.
السؤال الثاني: قوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه} شرح حال لا تحصل إلا في القيامة والقوم ما شاهدوا ذلك فإن كان هذا الخطاب مع المصدقين للأنبياء فهم معترفون بأنه لا يجوز القول بجعل الأصنام شركاء لله فلا فائدة في إيراد هذه الحجة عليهم، وإن كان الخطاب مع المكذبين بالنبوة فهم ينكرون قوله تعالى: {والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة} فكيف يمكن الاستدلال به على إبطال القول بالشرك؟.
وأجاب عنه: بأن المقصود منه أن المتولي لإبقاء السموات والأرضين من وجوه العمارة في هذا الوقت هو المتولي لتخريبها وإفنائها يوم القيامة، وذلك يدل على حصول قدرة تامة على الإيجاد والإعدام ويدل أيضاً على كونه قادراً غنياً على الإطلاق، فإنه