والأخرى هي النفس التي تفارقه إذا نام وهو بعد النوم يتنفس {فيمسك التي قضى عليها الموت} فلا يردها إلى جسدها، وقرأ حمزة والكسائي بضم القاف وكسر الضاد وفتح الياء بعد الضاد ورفع التاء من الموت، والباقون بفتح القاف والضاد وسكون الياء بعد الضاد ونصب الموت {ويرسل الأخرى} أي: يردها إلى جسدها وهي التي لم يقض عليها الموت {إلى أجل مسمى} أي: إلى الوقت الذي ضربه لموتها، وقيل: يتوفى الأنفس أي: يستوفيها ويقبضها وهي الأنفس التي تكون معها الحياة والحركة ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها وهي أنفس التمييز، قالوا: والتي تتوفى في النوم هي نفس التمييز لا نفس الحياة ولأن نفس الحياة إذا زالت زال معها النفس والنائم يتنفس، ورووا عن ابن عباس رضي الله عنه في ابن آدم نفس وروح بينهما مثل شعاع الشمس، فالنفس: التي بها العقل والتمييز، والروح: التي بها النفس والتحريك فإذا نام العبد قبض الله تعالى نفسه ولم يقبض روحه. قال الزمخشري: والصحيح ما ذكر أولاً لأن الله تعالى علق التوفي والموت والمنام جميعاً بالأنفس وما عنوا بنفس الحياة والحركة ونفس العقل والتمييز غير متصف بالموت والنوم وإنما الجملة هي التي تموت وهي التي تنام انتهى.
ويروى عن علي رضي الله تعالى عنه قال: يخرج الروح عند النوم ويبقى شعاعه في الجسد فبذلك يرى الرؤيا فإذا نبه من النوم عاد الروح إلى جسده بأسرع من لحظة، ويقال: إن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله فإذا أرادت العود إلى أجسادها أمسك الله تعالى أرواح الأموات عنده وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع إلى أجسادها إلى أجل مدة حياتها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخل إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: اللهم باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين» .
{إن في ذلك} أي: التوفي والإمساك والإرسال {لآيات} أي: دلالات على كمال قدرته وحكمته ورحمته. وقال مقاتل: لعلامات {لقوم يتفكرون} أي: فيعلمون أن القادر على ذلك قادر على البعث، فإن قيل: قوله تعالى {الله يتوفى الأنفس} (الزمر: 42)
يدل على أن المتوفي هو الله تعالى ويؤيده قوله تعالى: {الذي خلق الموت والحياة} (الملك: 2)
وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {ربي الذي يحيي ويميت} (البقرة: 258)
وقال تعالى في آية أخرى {إذا جاء أحدهم الموت توفته رسلنا} (الأنعام: 61)
فكيف الجمع؟ أجيب: بأن المتوفي في الحقيقة هو الله تعالى إلا أنه تعالى فوض كل نوع إلى ملك من الملائكة ففوض قبض الأرواح إلى ملك الموت وهو الرئيس وتحته أتباع وخدم فأضيف التوفي في آية إلى الله تعالى وهي الإضافة الحقيقية، وفي آية إلى ملك الموت لأنه الرئيس في هذا العمل وفي آية إلى: أتباعه ثم إن الكفار أوردوا على هذا الكلام سؤالاً فقالوا: نحن لا نعبد هذه الأصنام لاعتقاد أنها تضر وتنفع وإنما نعبدها لأجل أنها تماثيل لأشخاص كانوا عند الله تعالى من المقربين فنحن نعبدها لتشفع لنا أولئك المقربون عند الله تعالى فأجاب الله سبحانه عنه بقوله تعالى:
{أم اتخذوا} أي: كلفوا أنفسهم بعد وضوح الدلائل عندهم {من دون الله} أي: