واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فما هذه الخصومة؟ فلما كان يوم صفين وشد بعضنا على بعض بالسيوف قلنا: هو هذا. وعن إبراهيم النخعي قال: لما نزلت قالت الصحابة كيف نختصم ونحن إخوان فلما قتل عثمان رضي الله عنه قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية: نزلت في أهل القبلة.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كانت لأخيه عنده مظلمة من عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن يؤخذ منه يوم لا دينار ولا درهم فإن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له أخذ من سيئاته فجعلت عليه» . وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد كان شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيقضي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار» .
ثم إنه تعالى بين نوعاً آخر من قبائح أفعالهم بقوله تعالى:
{فمن} أي: لا أحد {أظلم} أي: منهم هكذا كان الأصل، ولكن قال تعالى: {ممن كذب} تعميماً {على الله} أي: الذي الكبرياء رداؤه والعظمة إزاره بنسبة الولد والشريك إليه {وكذب} أي: أوقع التكذيب لكل من أخبره {بالصدق} أي: بالأمر الذي هو الصدق بعينه وهو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم {إذ جاءه} أي: فاجأه بالتكذيب لما سمع من غير وقفة ولا إعمال روية بتمييز بين حق وباطل كما يفعل أهل النصفة فيما يستمعون، وقرأ نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم بإظهار الذال عند الجيم والباقون بالإدغام، ثم أردف ذلك بالوعيد فقال: {أليس في جهنم} أي: النار التي تلقى داخلها بالتجهم والعبوسة كما كان يلقى الحق وأهله {مثوى} أي: مأوى {للكافرين} أي: لهؤلاء الذين كذبوا على الله وكذبوا بالصدق، واللام في للكافرين إشارة إليهم والاستفهام بمعنى التقرير.
ولما ذكر من افترى وكذب ذكر مقابله وهو الذي جاء بالصدق وصدق به بقوله تعالى:
{والذي جاء بالصدق} قال قتادة ومقاتل: هو النبي صلى الله عليه وسلم {وصدق به} هم المؤمنون فالذي بمعنى الذين ولذلك روعي معناه فجمع في قوله تعالى: {أولئك} أي: العالو الرتبة {هم المتقون} أي: الشرك كما روعي معنى من في قوله تعالى: {للكافرين} فإن الكافرين ظاهر واقع موقع الضمير، إذ الأصل مثوى لهم وكما في قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً} (البقرة: 17)
ثم قال {ذهب الله بنورهم} (البقرة: 17)
قال الزمخشري: ويجوز أن يريد الفوج أو الفريق الذي جاء بالصدق وصدق به وهم الرسول الذي جاء بالصدق وصحابته رضي الله تعالى عنهم الذين صدقوا به ا. هـ قال أبو حيان: وفيه توزيع للصلة والفوج هو الموصول فهو كقولك: جاء الفريق الذي شرف وشرف، والأظهر عدم التوزيع بل المعطوف على الصلة صلة لمن له الصلة الأولى، وقيل: بل الأصل والذين جاء بالصدق فحذفت النون تخفيفاً كقوله تعالى: {كالذي خاضوا} (التوبة: 69)
قال ابن عادل: وهذا وهم إذ لو قصد ذلك لجاء بعده ضمير الجمع فكان يقال: والذي جاؤوا كقوله تعالى: {كالذي خاضوا} ويدل عليه أن نون التثنية إذا حذفت عاد الضمير مثنى كقوله: