والأذى {لهم أجرهم} أي: ثواب إنفاقهم {عند ربهم ولا خوف عليهم} أي: فلا يخافون فقد أجورهم {ولا هم يحزنون} في الآخرة بسبب أن لا يوجد.

{قول معروف} أي: كلام حسن وردّ على السائل جميل، لأنّ القول الجميل وإن كان يردّ السائل يفرح قلبه، ويروح روحه وقيل: عدة حسنة {ومغفرة} أي: بأن يستر عليه خلته ولا يهتك ستره، ويتجاوز عنه إذا وجد منه ما ينقل عليه عند ردّه {خير من صدقة} يدفعها إليه {يتبعها أذى} أي: منّ وتعيير السائل أو قول يؤذيه.

فإن قيل: لِمَ لم يعد ذكر المنّ فيقول: يتبعها منّ أو أذى؟ أجيب: بأنّ الأذى يشمل المنّ وغيره، كما تقرّر وإنما نصّ عليه فيما مرّ لكثرة وقوعه من المتصدّقين، وعسر تحفظهم منه، ولذلك قدّم على الأذى قال بعضهم: الآية واردة في صدقة التطوّع؛ لأنّ الواجب لا يحل منعه ويحتمل أن يراد بها الواجب، فإنه قد يعدل به عن سائل إلى سائل، وعن نفر، إلى نفر وإنما صحّ الابتداء بالنكرة وهي قول لاختصاصها بالصفة وهي معروف، وأمّا المعطوف وهو مغفرة فلا يحتاج إلى مخصص لتبعيتها {وا غنيّ} عن صدقة العباد، وإنما أمرهم ليثيبهم عليها {حليم} بتأخير العقوبة عن المانّ والمؤذي بصدقته.

{يأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم} أي: أجورها لأنّ الصدقة وقعت فلا يصح أن تبطل {بالمنّ والأذى} .

فإن قيل: ظاهر هذا اللفظ أنّ مجموع المنّ والأذى يبطلان الأجر فيلزم أنه لو وجد أحدهما دون الآخر، لا يبطل الأجر، أجيب: بأنّ الشرط أن لا يوجد واحد منهما دون الآخر لأنّ قوله تعالى: {ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً} ولا أذى يقتضي أن لا يقع هذا ولا هذا أي: فتبطل لكل واحد منهما إبطالاً.

{كالذي} أي: كإبطال أجر نفقة الذي {ينفق ماله رئاء الناس} أي: مرائياً لهم، ليروا نفقته، ويقولون: إنه كريم سخي {ولا يؤمن با واليوم الآخر} وهو المنافق لأنّ الكافر معلن بكفره غير مراء {فمثله} أي: هذا المرائي في إنفاقه {كمثل صفوان} وهو الحجر الأملس {عليه} أي: استقرّ عليه {تراب} والتراب معروف وهو اسم جنس لا يثنى ولا يجمع. وقال المبرد: هو جمع واحده ترابة، وفائدة هذا الخلاف أنه لو قال لزوجته: أنت طالق عدد التراب أنه يقع عليه طلقة على الأوّل وهو الأصح وثلاث على الثاني {فأصابه وابل} وهو المطر الشديد العظيم القطر {فتركه صلداً} أي: أملس نقياً من التراب وقوله تعالى: {لا يقدرون على شيء مما كسبوا} استئناف لبيان مثل المنافق المنفق رياء أي: لا يجدون له ثواباً في الآخرة كما لا يوجد على الصفوان شيء من التراب الذي كان عليه لإذهاب المطر له.

فإن قيل: كيف قال تعالى لا يقدرون بعد قوله كالذي ينفق؟ أجيب: بأنه تعالى أراد بالذي ينفق الجنس أو الفريق الذي ينفق ولأن من والذي يتعاقبان فكأنه قيل كمن ينفق وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء يقول الله تعالى لهم يوم يجازي العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء» وروى أبو هريرة: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه أن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ـ أي: أمره ـ ليقضي بينهم وكل أمة جاثية وأوّل من يدعى به رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015