إما أن يكون في حياة الدنيا أو في حياة الآخرة. والأول باطل لأن منافع الدنيا قليلة ومضارها كثيرة وتحمل الضرر الكثير لوجدان المنفعة القليلة لا يليق بالحكمة، ولما بطل هذا القول ثبت القول بوجود حياة بعد هذه الحياة الدنيا وذلك هو القول بالحشر والنشر والقيامة.

تنبيه: يجوز في باطلاً أن يكون نعتاً لمصدر محذوف أو حالاً من ضميره أي: خلقاً باطلاً وأن يكون حالاً من فاعل خلقنا أي: مبطلين أو ذوي باطل وأن يكون مفعولاً من أجله أي: للباطل وهو العبث {ذلك} أي: خلق ما ذكر لا لشيء {ظن الذين كفروا} أي: أهل مكة هم الذين ظنوا أنهما خلقا لغير شيء وأنه لا بعث ولا حساب {فويل} أي: هلاك عظيم بسبب هذا الظن أو واد في جهنم {للذين كفروا} أي: مطلقاً بهذا الظن وغيره من أي شرك كان {من النار} لأن من أنكر الحشر والنشر كان شاكاً في حكمة الله تعالى في خلق السموات والأرض.

ونزل لما قال كفار مكة للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثل ما تعطون.

{أم نجعل} أي: على عظمتنا {الذين آمنوا} أي: امتثالاً لأوامرنا {وعملوا الصالحات} تحقيقاً لإيمانهم {كالمفسدين} أي: المطبوعين على الفساد والراسخين فيه {في الأرض} أي: في السفر وغيره لم نجعلهم مثلهم وأم منقطعة والاستفهام فيها لإنكار التسوية بين الحزبين التي هي من لوازم خلقها باطلاً ليدل على نفيه وكذا التي في قوله تعالى: {أم نجعل المتقين كالفجار} كرر الإنكار الأول باعتبار وصفين آخرين يمنعان التسوية، أولاً بين المؤمنين والكافرين ثم بين المتقين من المؤمنين والمجرمين منهم وقوله تعالى:

{كتاب} خبر مبتدأ مضمر أي: هذا كتاب ثم وصفه بقوله تعالى: {أنزلناه} أي: بما لنا من العظمة {إليك} يا أشرف الخلق {مبارك} أي: كثير خيره ونفعه، وقوله تعالى: {ليدبروا} أصله ليتدبروا أدغمت التاء في الدال {آياته} أي: ليتفكروا في أسراره العجيبة ومعانيه اللطيفة فيأتمروا بأوامره ومناهيه فيؤمنوا {وليتذكر} أي: وليتعظ به {أولو الألباب} أي: أصحاب العقول.

القصة الثانية: قصة سليمان عليه السلام المذكورة في قوله تعالى:

{ووهبنا} أي: بما لنا من العظمة {لداود سليمان} ابنه فجاء عديم النظير في ذلك الزمان ديناً ودنيا وعلماً وحكمة وعظمة ورحمة، والمخصوص بالمدح في قوله تعالى: {نعم العبد} محذوف أي: سليمان، وقيل: داود {إنه أواب} أي: رجاع إلى التسبيح والذكر في جميع الأوقات.

{إذ} أي: اذكر إذ {عرض عليه} أي: سليمان، وقوله تعالى: {بالعشي} وهو ما بعد الزوال إلى الغروب، وقوله تعالى: {الصافنات} أي: الخيل العربية الخالصة جمع صافنة وفيه خلاف بين أهل اللغة فقال الزجاج: هو الذي يقف على إحدى يديه ويقف على طرف سنبكه وقد يفعل ذلك بإحدى رجليه قال وهي علامة الفراهة فيه وأنشد:

*ألف الصفون فلا يزال كأنه ... مما يقوم على الثلاث كسيرا*

وقيل: هو الذي يجمع يديه ويسويهما، وقيل: هو القائم مطلقاً أي: سواء كان من الخيل أم من غيرها قاله القتيبي واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم «من سره أن تقوم الناس له صفوناً فليتبوأ مقعده من النار» أي: يديمون له القيام وجاء الحديث قمنا صفوناً أي: صافين أقدامنا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015