والمخاصمة لأنهما إذا اختلطا اطلع كل منهما على أحوال صاحبه فكل ما يملكه من الأشياء النفيسة إذا اطلع عليه عظمت رغبته فيه فيفضي ذلك إلى زيادة المنازعة والمخاصمة، فلذلك خص داود عليه السلام الخلطاء بالبغي والعدوان ثم استثنى فقال: {إلا الذين آمنوا وعملوا} أي: تحقيقاً لإيمانهم {الصالحات} أي: الطاعات فإنهم لا يقع منهم شيء لأن مخالطة هؤلاء تكون لأجل الدين وهذا استثناء متصل من قوله: {بعضهم وقليل ما هم} أي: هم قليل فقليل خبر مقدم وما مزيدة للتعظيم وهو مبتدأ، وقال الزمخشري: ما للإبهام وفيه تعجب من قلتهم قال: فإن أردت أن تحقق فائدتها وموقعها فأخرجها من قول امرئ القيس:

*وحديث ما على قصره

وانظر هل بقي لها معنى {وظن داود} أي: لذهابهم قبل فصل الأمر وقد همه من ذلك أمر من عظمه لا عهد له بمثله {أنما فتناه} أي: امتحناه، قال المفسرون: إن الظن هنا بمعنى العلم لأن داود لما قضى الأمر بينهما نظر أحدهما إلى صاحبه فضحك ثم صعدا إلى السماء حيال وجهه فعلم أن الله تعالى ابتلاه بذلك فثبت أن داود علم ذلك، وقال ابن عباس: إن داود لما دخل عليه الملكان فقضى على نفسه تحولا في صورتهما وعرجا وهما يقولان: قضى الرجل على نفسه {فاستغفر ربه} أي: طلب الغفران من مولاه الذي أحسن إليه {وخرّ} أي: سقط من قيامه توبة لربه عن ذلك {راكعاً} أي: ساجداً على تسمية السجود ركوعاً لأنه مبدؤه أو خر للسجود راكعاً أو مصلياً كأنه أحرم بركعتي الاستغفار {وأناب} أي: رجع إلى الله تعالى.

قال الرازي: وللناس في هذه القصة ثلاثة أحوال؛ أحدها: أن هذه القصة دلت على صدور الكبيرة منه، وثانيها: على الصغيرة، وثالثها: لا تدل على كبيرة ولا صغيرة، فأما القول الأول فقالوا: إن داود عليه السلام أحب امرأة أوريا فاحتال في قتل زوجها ثم تزوج بها ثم أرسل الله تعالى ملكين في صورة المتخاصمين في واقعة تشبه واقعته وعرضا تلك الواقعة عليه، فحكم داود بحكم لزم منه اعترافه بكونه مذنباً ثم تنبه لذلك واشتغل بالتوبة، قالوا: وسبب ذلك أن داود عليه السلام تمنى يوماً من الأيام منزلة آبائه إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسأل ربه: أن يمتحنه كما امتحنهم ويعطيه من الفضل ما أعطاهم فأوحى الله تعالى إليه أنك تبتلى في يوم كذا فاحترس، فلما كان ذلك اليوم جاءه الشيطان فتمثل له في صورة حمامة من ذهب فيها من كل لون حسن فأعجبه حسنها فمد يده ليأخذها ويريها بني إسرائيل لينظروا إلى قدرة الله تعالى فطارت غير بعيدة فتبعها فطارت من كوة، فنظر داود أين تقع فأبصر داود امرأة في بستان تغتسل فعجب داود من حسنها وحانت منها التفاتة فأبصرت ظله فنقضت شعرها فغطى بدنها فزاده إعجاباً، فسأل عنها فقيل له: امرأة أوريا وزوجها في غزاة فأحب داود أن يقتله ويتزوج بها، فأرسل داود إلى ابن أخته أن قدم أوريا قبل التابوت وكان من قدم على التابوت لا يحل أن يرجع وراءه حتى يفتح الله تعالى على يديه أو يقتل، فقدمه ففتح على يديه فكتب إلى داود فأمر أن يقدمه بعد ذلك ففعل ثلاث مرات فقتل في الثالثة فلما انقضت عدتها تزوج بها فهي أم سليمان عليهما السلام.

قال الرازي: والذي أدين الله تعالى به وأذهب إليه أن ذلك باطل لوجوه.

الأول: أن هذه الحكاية لا تناسب داود لأنها لو نسبت إلى أفسق الناس وأشدهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015