لبثه في بطن الحوت فقال الحسن: لم يلبث إلا قليلاً ثم أخرج من بطن الحوت، وقال بعضهم: التقمه بكرة ولفظه عشية، وقال مقاتل بن حبان: ثلاثة أيام، وقال عطاء: سبعة أيام، وقال الضحاك: عشرين يوماً، وقيل: شهراً، وقيل: أربعين يوماً، قال الرازي: ولا أدري بأي دليل عينوا هذه المقادير؟ وروى أبو بردة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبح يونس في بطن الحوت فسمع الملائكة تسبيحه فقالوا: ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة فقال تعالى: ذاك عبدي يونس عصاني فحبسته في بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه كل يوم وليلة عمل صالح، قال: نعم فشفعوا له فأمر الحوت فقذفه بالساحل.
وروي أن يونس عليه السلام لما ابتلعه الحوت ابتلع الحوت حوت آخر أكبر منه فلما استقر في جوف الحوت حسب أنه قد مات فحرك جوارحه فتحركت فإذا هو حي فخر لله تعالى ساجداً وقال: يا رب اتخذت لي مسجداً لم يعبدك أحد في مثله {وهو سقيم} أي: عليل كالفرخ الممعوط.
{وأنبتنا عليه} أي: له وقيل: عنده {شجرة من يقطين} قال المبرد والزجاج: اليقطين كل ما لم يكن له ساق من عود كالقثاء والقرع والبطيخ والحنظل وهو قول الحسن ومقاتل، قال البغوي: المراد هنا القرع على قول جميع المفسرين، وروى الفراء أنه قيل عند ابن عباس: هو ورق القرع فقال: ومن جعل القرع من بين الشجر يقطيناً كل ورقة انشقت وشربت فهو يقطين.
فإن قيل: الشجر ما له ساق واليقطين مما لا ساق له كما قال تعالى: {والنجم والشجر يسجدان} (الرحمن: 6)
. أجيب: بأن الله تعالى جعل لها ساقاً على خلاف العادة في القرع معجزة له عليه السلام ولو كان منبسطاً على الأرض لم يمكن أن يستظل به قال مقاتل بن حبان: كان يونس عليه السلام يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشياً حتى اشتد لحمه ونبت شعره.
وروي أن يونس عليه السلام كان يسكن مع قومه فلسطين فغزاهم ملك وسبى منهم تسعة أسباط ونصفاً وبقي سبطان ونصف، وكان قد أوحى الله تعالى إلى بني إسرائيل إذا أسركم عدوكم أو أصابتكم مصيبة فادعوني أستجب لكم، فلما نسوا ذلك وأسروا أوحى الله تعالى بعد حين إلى نبي من أنبيائهم أن اذهب إلى ملك هؤلاء الأقوام وقل له: يبعث إلى بني إسرائيل نبياً، فاختار من بني إسرائيل يونس عليه السلام لقوته وأمانته فقال يونس: الله أمرك بهذا؟ قال: لا ولكن أمرت أن أبعث قوياً أميناً وأنت كذلك، فقال يونس: في بني إسرائيل من هو أقوى مني فلم لم تبعثه؟ فألح الملك عليه فغضب يونس منه وخرج حتى أتى بحر الروم فوجد سفينة مشحونة فحملوه فيها فلما أشرف على لجة البحر أشرفوا على الغرق فقال الملاحون: إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه فقال التجار: قد جربنا مثل هذا فإذا رأيناه نقترع فمن خرجت عليه نغرقه في البحر فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل، فخرج من بينهم يونس فقال: يا هؤلاء أنا العاصي وتلفف في كسائه ورمى بنفسه فالتقمه الحوت، وأوحى الله تعالى إلى الحوت لا تكسر منه عظماً ولا تقطع منه وصلاً، ثم إن الحوت خرج إلى نيل مصر ثم إلى بحر فارس ثم إلى البطائح ثم إلى دجلة وصعد به ورماه في أرض نصيبين بالعراء وهو كالفرخ المنتوف لا شعر ولا لحم، فأنبت الله تعالى عليه شجرة من يقطين فكان يستظل بها ويأكل من ثمرها حتى اشتد، ثم إن الأرضة أكلتها،