ربنا} أي: كلمة العذاب وهو قوله تعالى {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} (هود: 119)

{إنا} أي: جميعاً {لذائقون} أي: العذاب بذلك القول ونشأ عنه قولهم:

{فأغويناكم} أي: فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه {إنا كنا غاوين} أي: ضالين فأحببتم أن تكونوا مثلنا، وفيه إيماء بأن غوايتهم في الحقيقة ليست من قبلهم إذ لو كان كل غواية بإغواء غاوٍ فمن أغوى الأول قال الله تعالى:

{فإنهم} أي: المتبوعين والأتباع {يومئذ} أي: يوم القيامة {في العذاب مشتركون} أي: كما كانوا مشتركين في الغواية.

{إنا} أي: بما لنا من العظمة والقدرة {كذلك} أي: كما نفعل بهؤلاء {نفعل بالمجرمين} غير هؤلاء أي: نعذبهم التابع منهم والمتبوع ثم وصفهم الله تعالى بقوله:

{إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} أي: يتكبرون عن كلمة التوحيد أو عمن يدعوهم إليها.

{ويقولون أئنا} في الهمزتين ما مر {لتاركو آلهتنا لشاعر مجنون} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم ثم إن الله تعالى كذبهم في ذلك الكلام بقوله تعالى:

{بل جاء بالحق} أي: الدين الحق {وصدق المرسلين} أي: صدقهم في مجيئهم بالتوحيد فأتى بما أتى به المرسلون من قبله ثم التفت من الغيبة إلى الحضور فقال تعالى:

{إنكم لذائقو العذاب الأليم} ثم كأنه قيل: كيف يليق بالرحيم الكريم المتعالي الغني عن الضر والنفع أن يعذب عباده؟ فأجاب بقوله تعالى:

{وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} أي: جزاء عملكم وقوله تعالى:

{إلا عباد الله المخلصين} أي: المؤمنين استثناء منقطع، وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام بعد الخاء أي: إن الله تعالى أخلصهم واصطفاهم بفضله، والباقون بالكسر أي: إنهم أخلصوا الطاعة لله تعالى وقوله:

{أولئك لهم} أي: في الجنة {رزق معلوم} أي: بكرة وعشياً بيان لحالهم وإن لم يكن ثم بكرة ولا عشية فيكون المراد منه معلوم الوقت وهو مقدار غدوة أو عشية، وقيل: معلوم الصفة أي: مخصوص بصفات من طيب طعم ولذة وحسن منظر، وقيل معناه: أنهم يتقينون دوامه لا كرزق الدنيا الذي لا يعلم متى يحصل ومتى ينقطع، وقيل: معلوم القدر الذي يستحقونه بأعمالهم من ثواب الله تعالى وقوله:

{فواكه} يجوز أن يكون بدلاً من رزق، وأن يكون خبر مبتدأ مضمر أي: ذلك الرزق فواكه وفي الفواكه جمع فاكهة قولان:

أحدهما: أنها عبارة عما يؤكل للتلذذ لا للحاجة وأرزاق أهل الجنة كلها فواكه؛ لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات فإن أجسامهم محكمة مخلوقة للأبد فكل ما يأكلونه فعلى سبيل التلذذ.

والثاني: أن المقصود بذكر الفاكهة التنبيه بالأدنى على الأعلى أي: لما كانت الفاكهة حاضرة أبداً كان المأكول للغذاء أولى بالحضور.

{وهم مكرمون} أي: في نيله يصل إليهم من غير تعب وسؤال لا كما عليه رزق الدنيا.

ولما ذكر مأكلهم ذكر مسكنهم بقوله تعالى:

{في جنات النعيم} أي: في جنات ليس فيها إلا النعيم وهو متعلق بمكرمون أو خبر ثان لأولئك أو حال من المستكن في مكرمون وقوله تعالى:

{على سرر متقابلين} أي: لا يرى بعضهم قفا بعض حال، ويجوز أن يتعلق على سرر بمتقابلين، ولما ذكر سبحانه وتعالى المأكل والمسكن ذكر بعد ذلك صفة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015