مع قدرة الله تعالى وكلاهما فاسد فبين ذلك تعالى بقوله سبحانه {مما رزقكم الله} فإنه يدل على قدرته ويصحح أمره بالإعطاء؛ لأن من كان له مع الغير مال وله في خزانته مال مخير إن أراد أعطى مما في خزانته وإن أراد أمر من عنده المال بالإعطاء ولا يجوز أن يقول من في يده مال في خزانتك أكثر مما في يدي أعطه منه.

فإن قيل: ما الحكمة في تغيير اللفظ في جوابهم حيث لم يقولوا: أننفق على من لو يشاء الله رزقه؛ لأنهم أمروا بالإنفاق فكان جوابهم أن يقولوا: أننفق فلم قالوا: أنطعم؟ أجيب: بأن هذا بيان غاية مخالفتهم؛ لأنهم إنما أمروا بالإنفاق والإنفاق يدخل فيه الإطعام وغيره فلم يأتوا بالإنفاق ولا بأقل منه وهو الإطعام وهذا كقول القائل لغيره: أعط زيداً ديناراً فيقول: لا أعطيه درهماً مع أن المطابق هو أن يقول: لا أعطيه ديناراً ولكن المبالغة في هذا الوجه أتم فكذلك هنا.

تنبيه: إنما وصفوا المؤمنين بأنهم في ضلال مبين لظنّهم أن كلام المؤمنين متناقض ومن تناقض كلامه يكون في غاية الضلال، قال الرازي: ووجه ذلك أنهم قالوا {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} وهذا إشارة إلى أن الله تعالى إن شاء أن يطعمهم فهو يطعمهم فكان الأمر بإطعامهم أمراً بتحصيل الحاصل، وإن لم يشأ إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ الله فلا قدرة لنا على الإطعام، فكيف تأمروننا به؟ ووجه آخر: وهو أنهم قالوا: إن أراد الله تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعياً في إبطال فعل الله تعالى وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال، واعلم أنه لم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر، وذلك لأن العبد إذا أمره السيد بأمر لا ينبغي الإطلاع على المقصود الذي لأجله أمر به، مثاله: إذا أراد الملك الركوب للهجوم على عدوه بحيث لا يطلع عليه أحد وقال للعبد: أحضر المركوب فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لتسبب إلى أن يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره فالأدب في الطاعة: هو امتثال الأمر لا تتبع المراد، فالله سبحانه إذا قال {أنفقوا مما رزقكم الله} لا يجوز أن يقال لم لم يطعمهم الله مما في خزائنه؟ وقد تقدم ماله بهذا تعلق.

{ويقولون} أي: عادة مستمرة مضمومة إلى ما تقدم {متى هذا} وزادوا في الاستهزاء بتسميته وعداً فقالوا {الوعد} أي: البعث الذي تهددوننا به تارة تلويحاً وتارة تصريحاً عجلوه لنا {إن كنتم صادقين} فيه قال الله تعالى:

{ما ينظرون} أي: ينتظرون {إلا صيحة} وبين حقارة شأنهم وتمام قدرته بقوله عز وجل {واحدة} وهي نفخة إسرافيل عليه السلام الأولى المميتة {تأخذهم} وقوله تعالى {وهم يخصمون} قرأه حمزة بسكون الخاء وتخفيف الصاد من خصم يخصم والمعنى: يخصم بعضهم بعضاً فالمفعول محذوف، وأبو عمرو وقالون بإخفاء فتحة الخاء وتشديد الصاد، ونافع وابن كثير وهشام كذلك إلا أنهم باختلاس فتحة الخاء، والباقون بكسر الخاء وتشديد الصاد، والأصل في القراءات الثلاث يختصمون فأدغمت التاء في الصاد فنافع وابن كثير وهشام نقلوا فتحها إلى الساكن قبلها نقلاً كاملاً، وأبو عمرو وقالون اختلسا حركتها تنبيهاً على أن الخاء أصلها السكون، والباقون حذفوا حركتها فالتقى ساكنان لذلك فكسروا أولهما فهذه أربع قراءات.

ولما كانت هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015