{أهلكنا قبلهم} كثيراً {من القرون} أي: الأمم، قال البغوي: والقرن أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود {أنهم} أي: المهلكين {إليهم} أي: إلى أهل مكة {لا يرجعون} أي: لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون، وقيل: لا يرجعون أي: الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بسبب ولا ولادة أي: أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، قال ابن عادل: والأول أشهر نقلاً. والثاني: أظهر عقلاً. وقوله تعالى:

{وإن} نافية أو مخففة وقوله تعالى {كل} أي: كل الخلائق مبتدأ وقرأ {لما} ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم بمعنى إلا، والباقون بالتخفيف واللام فارقة وما مزيدة وقوله تعالى {جميع} أي: مجموعون خبر أول {لدنيا} أي: عندنا في الموقف بعد بعثهم وقوله تعالى {محضرون} أي: للحساب خبر ثان وما أحسن قول القائل:

*ولو أنا إذا متنا تركنا ... لكان الموت راحة كل حيّ*

*ولكنا إذا متنا بعثنا ... ونسأل بعدها عن كل شيء*

ولما قال {وإن كل لما جميع} كان ذلك إشارة إلى الحشر فذكر ما يدل على إمكانه قطعاً لإنكارهم واستبعادهم فقال تعالى:

{وآية} أي: علامة عظيمة {لهم} أي: على قدرتنا على البعث وإيجادنا له {الأرض} أي: هذا الجنس الذي هم منه ثم وصفها بما حقق وجه الشبه بقوله تعالى: {الميتة} التي لا روح لها؛ لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفنى أو لم يكن بها شيء أصلاً، ثم استأنف بيان كونها آية بقوله تعالى: {أحييناها} أي: باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله، فإن قيل: الأرض آية مطلقاً فلم خصها بهم حيث قال تعالى: {وآية لهم} ؟ أجيب: بأن الآية تعدد وتسرد لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه، وأما من عرف الشيء بطريق الرؤية فلا يذكر له دليل فالنبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله المخلصين عرفوا الله تعالى قبل الأرض والسماء فليست الأرض معرفة لهم.

تنبيه: آية خبر مقدم ولهم صفتها أو متعلقة بآية؛ لأنها علامة والأرض مبتدأ، وأعرب أبو البقاء آية مبتدأ ولهم الخبر والأرض الميتة مبتدأ وصفة وأحييناها خبره فالجملة مفسرة لآية وبهذا بدأ ثم قال: وقيل فذكر الوجه الأول.

ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال {وأخرجنا منها حباً} أي: جنس الحب كالحنطة والشعير والأرز، ثم بين عموم نفعه بقوله {فمنه} أي: بسبب هذا الإخراج {يأكلون} أي: من ذلك الحب فهو حب حقيقة تعلمون ذلك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين لا تقدرون تدعون أن ذلك خيال سحري بوجه من الوجوه، وفي هذه الآية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله تعالى وكماله، وقد أنشد هنا الأستاذ القشيري في تفسيره وعيب على من أهمل ذلك:

*يا من تصدر في دست الإمامة في ... مسائل الفقه إملاء وتدريساً*

*غفلت عن حجج التوحيد تحكمها ... شيدت فرعاً وما مهدت تأسيساً*

ولما ذكر الزرع وهو مالا ساق له أتبعه بذكر ما له ساق بقوله:

{وجعلنا} أي: بما لنا من العظمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015