الكريمة على ما تقرر من نفي السبب ثم نفي المسبب فما فائدته؟ أجيب: بأن النصب هو تعب البدن واللغوب هو تعب النفس، وقيل: اللغوب الوجع وحينئذ فالسؤال زائل، وأجاب الرازي بجواب قال ابن عادل: ليس بذاك فتركته.
ولما بين تعالى ما هم فيه من النعمة في دار السرور التي قال فيها القائل:
*علياء لا تنزل الأحزان ساحتها ... لو مسها حجر مسته سراء*
بين ما لأعدائهم من النقمة زيادة في سرورهم بما قاسوا في الدنيا من تكبرهم عليهم وفخارهم بقوله تعالى:
{والذين كفروا} أي: ستروا ما دلت عليه عقولهم من شموس الآيات وأنوار الدلالات {لهم نار جهنم} أي: بما تجهموا أولياء الله الدعاة إليه {لا يقضي} أي: يحكم {عليهم} أي: بموت ثان {فيموتوا} أي: فيتسبب عن القضاء موتهم فيستريحوا كقوله تعالى {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} (الزخرف: 77)
أي: بالموت فنستريح بل العذاب دائم.
تنبيه: نصب فيموتوا بإضمار أن.
ولما كانت الشدائد في الدنيا تنفرج وإن طال أمدها قال تعالى: {ولا يخفف عنهم} وأعرق في النفي بقوله تعالى: {من عذابها} أي: جهنم.
تنبيه: في الآية الأولى أن العذاب في الدنيا إن دام قتل وإن لم يقتل يعتاده البدن ويصير مزاجاً فاسداً لا يحس به المعذب فقال: عذاب نار الآخرة ليس كعذاب الدنيا إما أن يفنى وإما أن يألفه البدن بل هو في كل زمان شديد والمعذب فيه دائم.
الثانية: وصف العذاب بأنه لا يفتر ولا ينقطع ولا بأقوى الأسباب وهو الموت حتى يتمنوه ولا يجابون كما قال تعالى {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} (الزخرف: 77)
أي: بالموت.
الثالثة، ذكر في المعذبين الأشقياء أنه لا ينقضي عذابهم ولم يقل تعالى: نزيدهم عذاباً وفي المثابين قال تعالى {ويزيدهم من فضله} (النور: 38)
وقوله تعالى {كذلك} إما مرفوع المحل أي: الأمر كذلك وإما منصوبه أي: مثل ذلك الجزاء العظيم {نجزي كل كفور} أي: كافر بالله تعالى وبرسوله، وقرأ أبو عمرو بياء مضمومة وفتح الزاي ورفع كل، والباقون بنون مفتوحة وكسر الزاي ونصب كل.
{وهم} أي: فعل ذلك بهم والحال أنهم {يصطرخون فيها} أي: يوجدون الصراخ فيها بغاية ما يقدرون عليه من الجهد في الصياح من البكاء والتوجع يقولون {ربنا} أي: أيها المحسن إلينا {أخرجنا} أي: من النار {نعمل صالحاً} ثم فسروه وبينوه بقولهم {غير الذي كنا نعمل} في الدنيا، فإن قيل: هلا اكتفى بقولهم {نعمل صالحاً} كما اكتفى به في قولهم {فأرجعنا نعمل صالحاً} (السجدة: 12)
وما فائدة زيادة {غير الذي كنا نعمل} على أنه يوهم أنهم يعملون صالحاً آخر غير الصالح الذي عملوه؟ أجيب: بأن فائدته زيادة التحسر على ما عملوه من غير الصالح مع الاعتراف به وأما الوهم فزائل بظهور حالهم في الكفر وظهور المعاصي، ولأنهم كانوا يحسبون أنهم على سيرة صالحة كما قال تعالى {وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً} (الكهف: 104)
فقالوا: أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نحسبه صالحاً فنعمله، فيقال لهم توبيخاً وتقريعاً: {أو لم نعمركم} أي: نطل أعماركم مع إعطائنا لكم العقول ولم نعاجلكم بالأخذ.
{ما} أي: زماناً {يتذكر فيه من تذكر} قال عطاء وقتادة