بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن، وبالعمل الكفر والمعاصي العظام.
{قل} أي: لهم {يجمع بيننا ربنا} أي: يوم القيامة {ثم يفتح} أي: يحكم {بيننا بالحق} أي: الأمر الثابت الذي لا يقدر أحد منا ولا منكم على التخلف عنه وهو العدل والفضل من غير ظلم ولا ميل، فيدخل المحقين الجنة والمبطلين النار {وهو الفتاح} أي: الحاكم الفاصل في القضايا المغلقة البليغ الفتح لما انغلق فلا يقدر أحد على فتحه {العليم} أي: البليغ العلم بكل دقيق وجليل فلا تخفى عليه خافية.
{قل} أي: لهم {أروني} أي: أعلموني {الذين ألحقتم به} أي: بالله {شركاء} أي: في العبادة هل يخلقون وهل يرزقون وقوله تعالى: {كلا} أي: لا يخلقون ولا يرزقون ردع لهم عن مذهبهم بعد ما كسره بإبطال المقايسة كما قال إبراهيم عليه السلام {أف لكم ولما تعبدون من دون الله} (الأنبياء: 67)
بعدما حجهم وقد نبه على تفاحش غلطهم بقوله تعالى: {بل هو الله العزيز} أي: الغالب على أمره الذي لا مثل له وكل شيء يحتاج إليه {الحكيم} أي: المحكم لكل ما يفعله فلا يستطيع أحد نقض شيء منه فكيف يكون له شريك، وأنتم ترون ما ترون له من هاتين الصفتين المنافيتين لذلك.
تنبيه: في هذا الضمير وهو «هو» قولان: أحدهما: أنه عائد إلى الله تعالى أي: ذلك الذي ألحقتم به شركاء هو الله والعزيز الحكيم صفتان. والثاني: أنه ضمير الأمر والشأن والله مبتدأ، والعزيز الحكيم خبر إن والجملة خبر هو.
فإن قيل: ما معنى قوله {أروني} وكان يراهم ويعرفهم أجيب: بأنه أراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله تعالى وأن يقاس على أعينهم فيه وبين أصنامهم ليطلعهم على إحالة القياس إليه والإشراك به.
ولما بين تعالى مسألة التوحيد شرع في الرسالة بقوله سبحانه وتعالى:
{وما أرسلناك} أي: بعظمتنا {إلا كافة للناس} أي: إرسالاً عاماً شاملاً لكل ما شمله إيجادنا فكأنه حال من الناس قدم للاهتمام، وقول البيضاوي: ولا يجوز جعلها حالاً من الناس أي: لأن تقديم حال المجرور عليه كتقديم المجرور على الجار رده أبو حيان بقوله: هذا ما ذهب إليه الجمهور وذهب أبو علي وابن كيسان وابن برهان وابن ملكون إلى جوازه وهو الصحيح انتهى. وهذا هو الذي ينبغي اعتماده ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم «كان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» ومن أمثلة أبي علي: زيد خير ما يكون خير منك والتقدير: زيد خير منك خير ما يكون وأنشد:
*إذا المرء أعيته المطالب ناشئاً ... فمطلبها كهلاً عليه شديد*
أي: فمطلبها عليه كهلاً وأنشد أيضاً:
*تسليت طراً عنكم بعد بينكم ... بذكراكم حتى كأنكم عندي*
أي: عنكم طراً، وقيل: أنه حال من كاف أرسلناك والمعنى: إلا جامعاً للناس في الإبلاغ والكافة بمعنى الجامع، والهاء فيه للمبالغة كهي في علامة ورواية قاله الزجاج.
وقيل: إن كافة صفة لمصدر محذوف تقديره: إلا إرسالة كافة قال الزمخشري: إلا إرسالة عامة لهم محيطة بهم؛ لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد منهم قال أبو حيان: أما كافة بمعنى عامة فالمنقول عن النحويين أنها لا تكون إلا حالاً ولم يتصرف فيها بغير ذلك فجعلها صفة لمصدر