أحد قال بعضهم: أتي بالجلالة تعظيماً والمراد: يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {إنما يبايعون الله} (الفتح: 10)
وأما إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس: إنه شج في وجهه، وكسرت رباعيته وقيل: ساحر شاعر مجنون.
ولما كان من أعظم أذاه أذى من تابعه، وكان الأتباع لكونهم غير معصومين يتصور أن يؤذوا على الحق قال تعالى مقيداً للكلام:
{والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} أي: الراسخين في صفة الإيمان {بغير ما اكتسبوا} أي: بغير شيء واقعوه متعمدين له حتى أباح أذاهم {فقد احتملوا} أي: كلفوا أنفسهم أن حملوا {بهتاناً} أي: كذباً وفجوراً زائداً على الحد موجباً للجزاء في الدنيا والآخرة {وإثماً مبيناً} أي: ذنباً ظاهراً جداً موجباً للعقاب في الآخرة.
تنبيه: اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال مقاتل: نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويسمعونه، وقيل: نزلت في شأن عائشة وقال الضحاك والكلبي: نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طريق المدينة يبتغون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن فيغمزون المرأة، فإن سكتت اتبعوها وإن زجرتهم انتهوا عنها، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً، يخرجن في درع وخمار الحرة والأمة، فشكوا ذلك إلى أزواجهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات} الآية.
ثم نهى الحرائر أن يشتبهن بالإماء بقوله تعالى:
{يا أيها النبي} ذكره بالوصف الذي هو منبع المعرفة والحكمة {قل لأزواجك} بدأ بهن لما لهن به من الوصلة بالنكاح {وبناتك} ثنى بهن لما لهن من الوصلة، ولهن من القسمين من الشرف وآخرهن عن الأزواج لأن أزواجه يكفونه أمرهن {ونساء المؤمنين يدنين} أي: يقربن {عليهن} أي: على وجوههن وجميع أبدانهن فلا يدعن شيئاً منها مكشوفاً {من جلابيبهن} ولا يتشبهن بالإماء في لباسهن إذا خرجن لحاجتهن بكشف الشعور ونحوها ظناً أن ذلك أخفى لهن وأستر، والجلباب والقميص وثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، والملحفة: ما ستر اللباس، والخمار: وهو كل ما غطى الرأس وقال البغوي: الجلباب الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال حمزة الكرماني، قال الخليل: كل ما يستر به من دثار وشعار وكساء فهو جلباب والكل تصح إرادته هنا، فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتى يغطي بدنها ورجليها، وإن كان يغطي الرأس فإدناؤه ستر وجهها وعنقها، وإن كان المراد ما يغطي الثياب فإدناؤه تطويله وتوسيعه بحيث يستر جميع بدنها وثيابها، وإن كان المراد ما دون الملحفة فالمراد ستر الوجه واليدين وقال ابن عباس وعبيدة: أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلابيب إلا عيناً واحدة ليعلم أنهن حرائر.
ولما أمر تعالى بذلك علله بقوله تعالى: {ذلك} أي: الستر {أدنى} أي: أقرب من تركه في {أن يعرفن} أنهن حرائر بما يميزهن عن الإماء {فلا} أي: فتسبب عن معرفتهن أن لا {يؤذين} ممن يتعرضن للإماء فلا يشتغل قلبك عن تلقي ما يرد عليك من الأنباء الإلهية قال ابن عادل: ويمكن أن يقال: المراد يعرفن أنهن لا يزنين لأن من تستر وجهها مع أنه ليس بعورة أي: في الصلاة لا يطمع فيها أنها