الخطاب، ومرداس أخو محارب بن فهر، قد تلبسوا للقتال وخرجوا على خيلهم ومروا على بني كنانة فقالوا: تهيؤوا للحرب يا بني كنانة فستعلمون اليوم من الفرسان، ثم أقبلوا نحو الخندق حتى وقفوا عليه، فلما رأوه قالوا: والله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثم تيمموا مكاناً من الخندق ضيقاً فضربوا خيولهم فاقتحمت فيه فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسلع.
وخرج عليّ رضي الله تعالى عنه في نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها خيلهم، وأقبلت الفرسان تعنق نحوهم، وكان عمرو بن عبد ودَ قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة فلم يشهد أحداً، فلما كان يوم الخندق خرج معلماً ليرى مكانه، فلما وقف هو وخيله قال له علي: يا عمرو إنك كنت تعاهد الله تعالى لا يدعوك رجل من قريش إلى خصلتين إلا أخذت منه إحداهما، قال له: أجل قال له علي: فإني أدعوك إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام قال: لا حاجة لي بذلك قال: فإني أدعوك إلى البراز قال: ولم يا ابن أخي فوالله ما أحب أن أقتلك.
قال عليّ: ولكني والله أحب أن أقتلك، فحمي عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فنقره أو ضرب وجهه، ثم أقبل على عليّ فتنازلا وتجاولا فقتله عليّ، وخرجت خيله مهزومة حتى اقتحمت من الخندق هاربة، وقتل مع عمرو رجلان منبه بن عثمان أصابه سهم فمات بمكة، ونوفل بن عبد الله المخزومي وكان اقتحم الخندق فتورط فيه فرموه بالحجارة فقال: يا معشر العرب قتلة أحسن من هذه، فنزل إليه عليّ رضي الله تعالى عنه فقتله فغلب المسلمون على جسده فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حاجة لنا في جسده وثمنه فشأنكم به فخلى بينهم وبينه.
ولما نشأ عن هذا تقلب القلوب وتجدد ذهاب الأفكار كل مذهب، عبر بالمضارع الدال على دوام التجدد بقوله تعالى: {وتظنون بالله} الذي له صفات الكمال {الظنوناً} أي: أنواع الظن، فظن المخلصون الثُّبت القلوب أن الله تعالى منجز وعده في إعلاء دينه، أو ممتحنهم، فخافوا الزلل، وروي أن المسلمين قالوا: بلغت القلوب الحناجر فهل من شيء نقوله؟ فقال صلى الله عليه وسلم «قولوا اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا» وأما الضعاف القلوب والمنافقون فقالوا: ما حكى الله عنهم فيما سيأتي، وقرأ نافع وابن عامر الظنونا هنا والرسولا والسبيلا في آخر السورة بإثبات الألف في الثلاثة وقفاً ووصولاً، وأبو عمرو وحمزة بحذف الألف وقفاً ووصلا قال الزمخشري: وهو القياس والباقون بالألف في الوقف دون الوصل زادوها في الفاصلة كما زادوها في القافية قال:
*أقلي اللوم عاذل والعتابا*
ورسم الثلاثة بالألف ولما كانت الشدة في الحقيقة إنما هي للثابت لأنه ما عنده إلا الهلاك أو النصرة قال تعالى:
{هنالك} أي: في ذلك الوقت العظيم البعيد الرتبة {ابتلي المؤمنون} اختبروا فظهر المخلص من المنافق والثابت من المتزلزل {زلزلوا} أي: حركوا وأزعجوا بما يرون من الأهوال بتظافر الأعداء مع الكثرة وتطاير الأراجيف {زلزلاً شديداً} فثبتوا تثبيت الله تعالى لهم على عدوهم، وعن صفية قالت: مر بنا رجل من اليهود فجعل يطوف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بيننا وبينهم من يدفع عنا، ورسول الله