{وما محمد إلا رسول} (آل عمران: 144)
أجيب: بأن ذلك لتعليم الناس أنه رسول الله وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به فلا تفاوت بين النداء والإخبار، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الإخبار كيف ذكره بنحو ما ذكر في النداء {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} (التوبة: 128)
{وقال الرسول يا رب} (الفرقان، 30) {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب: 21)
{والله ورسوله أحق أن يرضوه} (التوبة: 62)
{النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} (الأحزاب: 6)
{ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي} (المائدة: 81)
{إن الله وملائكته يصلون على النبي} (الأحزاب: 56)
وقرأ نافع النبئ بالهمزة والباقون بغير همز.
ولما وجه إليه صلى الله عليه وسلم الأمر بخشية الولي الودود أتبعه النهي عن الالتفات لنحو العدو الحسود بقوله تعالى: {ولا تطع الكافرين والمنافقين} في شيء من الأشياء لم يتقدم إليك من الخالق فيه أمر وإن لاحَ لائح خوفٍ أو برق رجاء فجانبهم واحترس منهم، فإنهم أعداء الله تعالى وأعداء المؤمنين، لا يريدون إلا المضارة والمضادة. قال أبو حيان: سبب نزولها أنه روى: «أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان يحب إسلام اليهود فتابعه ناس على النفاق وكل يلين لهم جانبه، وكانوا يظهرون النصائح من طريق المخادعة فنزلت تحذيراً لهم منهم وتنبيهاً على عداوتهم» انتهى وبهذا سقط ما قيل: لم خص الكافر والمنافق بالذكر ولأن ذكر غيرهما لا حاجة إليه لأنه لا يكون عنده إلا مطاعاً ولأن كل من طلب من النبي صلى الله عليه وسلم طاعته فهو كافر أو منافق؛ لأن من يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأمر إيجاب معتقداً أنه لم يفعله يعاقبه بحق يكون كافراً، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي، الكافرين بالإمالة محضة، وورش بين بين والباقون بالفتح.
ثم علل تعالى الأمر والنهي بما يزيل الهموم ويوجب الإقبال عليهما واللزوم بقوله تعالى: {إن الله} أي: بعظيم كماله {كان} أزلاً وأبداً {عليماً} أي: شامل العلم {حكيماً} أي: بالغ الحكمة فهو تعالى لم يأمرك بأمر إلا وقد علم ما يترتب عليه، وأحكم إصلاح الحال فيه.
ولما كان ذلك مفهماً لمخالفة كل ما يدعو إليه كافر، وكان الكافر ربما دعا إلى شيء من مكارم الأخلاق قيده بقوله تعالى:
{واتبع} أي: بغاية جهدك {ما يوحى} أي: يلقى إلقاء خفياً كما يفعل المحب مع حبيبه {إليك من ربك} أي: المحسن إليك بصلاح جميع أمرك، وأتى موضع الضمير بالظاهر ليدل على الإحسان في التربية ليقوى على امتثال ما أمرت به الآية السالفة.
ولما أمر باتباع الوحي رغبه فيه بالتعليل بأوضح من التعليل الأول في أن مكرهم خفي بقوله تعالى مذكراً بالاسم الأعظم بجميع ما يدل عليه من الأسماء الحسنى زيادة في التقوى على الامتثال مؤكداً للترغيب {أن الله} أي: بعظمته وكماله {كان} أزلاً وأبداً {بما يعملون} أي: الفريقان من المكايد وإن دق {خبيراً} أي: فلا تهتم بشأنهم، فإنه سبحانه كافيكه وإن تعاظم، وقرأ أبو عمرو {بما يعملون خبيراً} {وبما يعملون بصيراً} بالياء على الغيبة على أن الواو ضمير الكفرة والمنافقين والباقون بالتاء على الخطاب فيهما.
ولما كان الآدمي موضع الحاجة قال تعالى:
{وتوكل} أي: دع الاعتماد على التدبير في أمورك واعتمد فيها {على الله} أي: المحيط علماً وقدرة فإنه يكفيك في جميع أمورك {وكفى بالله} أي: الذي له الأمر كله على الإطلاق {وكيلا} أي: موكولاً إليه الأمور كلها فلا تلتفت في شيء من أمرك إلى غيره؛ لأنه ليس لك قلبان تصرف كل