أي: رب فأي أهل الجنة أرفع منزلة؟ قال: إياها أردت وسأحدثك عنهم، إني غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها فلا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال: ومصداق ذلك في كتاب الله {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين} .
ونزل في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه حين تنازعا فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت فإنك صبي وأنا شيخ وأنا والله أبسط منك لساناً وأحد منك سناناً وأشجع جناناً وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال له علي اسكت فإنك فاسق.
{أفمن كان مؤمناً} أي: راسخاً في التصديق بجميع ما أخبرت به الرسل {كمن كان فاسقاً} أي: راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان وقال تعالى {لا يستوون} ولم يقل تعالى لا يستويان؛ لأنه لم يرد مؤمناً واحداً ولا فاسقاً واحداً بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين فلا يستوي جمع من هؤلاء بجميع من أولئك ولا فرد بفرد. قال قتادة: لا يستوون لا في الدنيا ولا عند الموت ولا في الآخرة.
ولما نفى استواءهم أتبعه حال كلَ على سبيل التفصيل وبدأ بحال المؤمن بقوله تعالى:
{أما الذي آمنوا وعملوا} أي: تصديقاً لإيمانهم {الصالحات} أي: الطاعات {فلهم جنات المأوى} أي: التي يأوي إليها المؤمنون فإنها المأوى الحقيقي والدنيا منزل مرتحل عنها لا محالة، وهي نوع من الجنات قال الله تعالى: {ولقد رآه نزله أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى} (النجم: 13، 15)
سميت بذلك لما روى عن ابن عباس قال: تأوي إليها أرواح الشهداء وقيل هي عن يمين العرش {نزلاً} أي: عداداً لهم أول قدومهم قال البقاعي: كما يهيأ للضيف على ما لاح أي: عند قدومه {بما} أي: بسبب ما {كانوا يعملون} من الطاعات فإن أعمالهم من رحمة ربهم، وإذا كانت هذه الجناب نزلاً فماظنك بما بعد ذلك هو لعمري ما أشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم «ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر» وهم كل لحظة في زيادة لأن قدرة الله تعالى لا نهاية لها، فإياك أن تخادع أو يغرنك ملحد، ثم ثنى بحال الكافر بقوله تعالى:
{وأما الذين فسقوا} أي: خرجوا عن دائرة الإيمان الذي هو معدن التواضع وأهل للمصاحبة والملازمة {فمأواهم النار} أي: التي لا صلاحية فيها للإيواء بوجه من الوجوه ملجؤهم ومنزلهم أي: فالنار لهم مكان جنة المأوى للمؤمنين {كلما أرادوا} أي: وهم مجتمعون، فكيف إذا أراد بعضهم {أن يخرجوا منها} بأن يخيل إليهم ما يظنون به القدرة على الخروج منها كما كانوا يخرجون نفوسهم من محيط الأدلة ومن دائرة الطاعات إلى ميدان المعاصي والزلات فيعالجون الخروج، فإذا ظنوا أنه تيسر لهم وهم بعد في غمراتها {أعيدوا فيها} فهو عبارة عن خلودهم فيها {وقيل لهم} أي: من أي: قائل وكل بهم {ذوقوا عذاب النار} إهانة لهم وزيادة في تغيظهم وقوله تعالى {الذي كنتم به تكذبون} صفة لعذاب، وجوز أبو البقاء أن يكون صفة للنار قال: وذكر على معنى الجحيم والحريق.
ولما كان المؤمنون الآن يتمنون إصابتهم بشيء من الهوان قال تعالى:
{ولنذيقهم من العذاب الأدنى} أي: عذاب الدنيا، قال الحسن: هو مصائب الدنيا وأسقامها وقال عكرمة: الجوع بمكة تسع سنين أكلوا فيها الجيف والعظام والكلاب، وقال ابن مسعود: هو القتل بالسيف يوم بدر {دون العذاب الأكبر} وهو عذاب