في أحسن تقويم} (التين: 4)
وقال مقاتل: علم كيف يخلق كل شيء من قول القائل: فلان يحسن كذا إذا كان يتقنه، وقيل: خلق كل حيوان على صورة لم يخلق البعض على صورة البعض، وقيل: معناه أحسن إلى كل خلقه.
وقرأ نافع والكوفيون بفتح اللام فعلاً ماضياً، والجملة صفة للمضاف أو المضاف إليه، والباقون بسكونها على أنه بدل من كل شيء بدل اشتمال والضمير عائد على كل شيء.
ولما كان الحيوان أشرف الأجناس وكان الإنسان أشرفه خصه بالذكر ليقوم دليل الوحدانية بالأنفس كما قام بالآفاق. فقال دالاً على البعث: {وبدأ خلق الإنسان} أي: آدم عليه السلام {من طين} قال الرازي: ويمكن أن يقال الطين ماء وتراب مجتمعان، فالآدمي أصله مني، والمني أصله غذاء، والأغذية إما حيوانية أو نباتية، والحيوانية ترجع إلى النباتية والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو الطين.
{ثم جعل نسله} أي: ذريته {من سلالة} أي: نطفة سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان أي: تنفصل منه وتخرج من صلبه، ونحوه قولهم للولد: سليل، هذا على التفسير الأول؛ لأن آدم كان من الطين ونسله من سلالة {من ماء مهين} أي: ضعيف، وعلى التفسير الثاني هو أن أصله من طين، ثم يوجد من ذلك الأصل سلالة هي ماء مهين وهو نطفة الرجل، وأشار إلى عظمة ما بعد ذلك من خلقه وتطويره بقوله تعالى:
{ثم سواه} قومه بتصوير أعضائه وإبداع المعاني على ما ينبغي {ونفخ فيه} أي: آدم {من روحه} أي: جعله حياً حساساً بعد أن كان جماداً، وإضافة الروح إلى الله تعالى إضافة تشريف كبيت الله، وناقة الله، فيا له من شرف ما أعلاه، ففيه إشعار بأنه خلق عجيب وإن له شأناً له مناسبة ما إلى الحضرة الربوبية، قال البيضاوي: ولأجله أي: ولأجل كون أن له شأناً إلى آخره. روي: من عرف نفسه فقد عرف ربه. هذا الحديث لا أصل له، وبتقدير أن له أصلاً ليس معناه ما ذكر بل معناه: من عرف نفسه وتأمل في حقيقتها عرف أن له صانعاً موجداً له، وإليه أشار بقوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات: 21)
ثم ذكر ما يترتب على نفخ الروح في الجسد مخاطباً للذرية بقوله تعالى: {وجعل لكم} بعد أن كنتم نطفاً أمواتاً {السمع} أي: لتدركوا به ما يقال لكم {والأبصار} أي: لتدركوا بها الأشياء على ما هي عليه {والأفئدة} أي: القلوب المودعة غرائز العقول.
فإن قيل: ما الحكمة في تقديم السمع على البصر والبصر على الأفئدة؟ أجيب بأن الإنسان يسمع أولاً كلاماً فينظر إلى قائله ليعرفه ثم يتفكر بقلبه في ذلك الكلام ليفهم معناه، فإن قيل: ما الحكمة في ذكره المصدر في السمع وفي البصر والفؤاد الاسم، ولهذا جمع الأبصار والأفئدة ولم يجمع السمع؛ لأن المصدر لا يجمع؟ أجيب: بأن السمع