مقابلة الشكور معنى فظاهر، ولما ذكر تعالى الدلائل من أول السورة إلى هنا وعظ بالتقوى بقوله تعالى:

{يا أيها الناس} أي: عامّة. وقيل: أهل مكة {اتقوا ربكم} أي: الذي لا محسن إليكم غيره {واخشوا} أي: خافوا {يوماً} لا يشبه الأيام ولا يعدّ هول البحر ولا غيره عند أدنى هول من أهواله شيئاً بوجه {لا يجزي} أي: لا يقضي ولا يغني {والد عن ولده} والراجع إلى الموصوف محذوف أي: لا يجزي فيه. وفي التعبير بالمضارع إشارة إلى أنّ الوالد لا تزال تدعوه الوالدية إلى الشفقة على الولد ويتجدّد عنده العطف والرقة. والمفعول إما محذوف لأنه أشدّ في النفي وإما مدلول عليه بما في الشق الذي بعده. وقوله تعالى {ولا مولود} عطف على والد أو مبتدأ وخبره {هو جاز عن والده} أي: فيه {شيئاً} من الجزاء وتغيير النظم للدلالة على أن المولود أولى بأن لا يجزي، وقطع طمع من توقع من المؤمنين أن ينفع أباه الكافر في الآخرة {إنّ وعد الله} أي: الذي له معاقد العز والجلال {حق} أي: أنّ هذا اليوم الذي هذا شأنه هو كائن؛ لأنّ الله تعالى وعد به ووعده حق، وقيل: إنّ وعد الله حق بأن لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً لأنه وعد بأن لا تزر وازرة وزر أخرى ووعد الله حق {فلا تغرّنكم الحياة الدنيا} بزخرفها ورونقها فإنها زائلة لوقوع اليوم المذكور بالوعد الحق {ولا يغرّنكم بالله} أي: الذي لا أعظم منه ولا مكافئ مع ولايته معكم {الغرور} أي: الكثير الغرور المبالغ فيه وهو الشيطان الذي لا أحقر منه لما جمع من البعد والطرد والاحتراق مع عداوته بما يزين لكم من أمرها ويلهيكم به من تعظيم قدرها وينسيكم كيدها وغدرها وتعبها وأذاها فيوجب ذلك لكم الإعراض عن ذلك اليوم فلا تعدّونه معاداً فلا تتخذون له زاد لما اقترن بغروره من حلم الله تعالى وإمهاله، قال سعيد بن جبير: الغرة بالله أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة، وروي أنّ الحارث بن عمرو أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال متى قيام الساعة وإني قد ألقيت حباً في الأرض فمتى السماء تمطر، وحمل امرأتي أذكر أم

أنثى وما أعمل غداً وأين أموت؟ فنزل قوله تعالى:

{إن الله} أي: بما له من العظمة وجميع أوصاف الكمال {عنده} أي: خاصة {علم الساعة} أي: وقت قيامها لا علم لغيره بذلك أصلاً {وينزل الغيث} أي: في أوانه المقدّر له والمحل المعين له في علمه، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بفتح النون وتشديد الزاي، والباقون بسكون النون وتخفيف الزاي {ويعلم ما في الأرحام} أي: من ذكر أو أنثى أحيّ أو ميت تامّ أو ناقص {وما تدري نفس} أي: من الأنفس البشرية وغيرها {ماذا تكسب غداً} أي: من خير أو شرّ وربما تعزم على شيء وتفعل خلافه.

{وما تدري نفس بأي: أرض تموت} أي: كما لا تدري في أي: وقت تموت ويعلمه الله تعالى، وروى ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: جاء رجل من أهل البادية فقال: يا رسول الله إنّ امرأتي حبلى فأخبرني ما تلد، وبلادنا مجدبة فأخبرني متى ينزل الغيث، وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعن عكرمة أنّ رجلاً يقال له الوارث من بني حازن جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد متى قيام الساعة وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب، وقد تركت امرأتي حبلى فمتى تلد، وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غداً، وقد علمت بأيّ أرض ولدت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015