بالذكر من بين الأعداد لأنها عدد كثير يحصر المعدودات في العادة، ويدل على ذلك وجهان: الأوّل: أن المعلوم عند كل أحد لحاجته إليه هو الزمان والمكان فالزمان منحصر في سبعة أيام والمكان منحصر في سبعة أقاليم، ولأنّ الكواكب السيارة سبعة والمنجمون ينسبون إليها أموراً فصارت السبعة كالعدد الحاصر للكثرات الواقعة في العادة فاستعملت في كل كثير.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «المؤمن يأكل في معي واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء» الثاني: أن في السبعة معنى يخصها ولذلك كانت السموات سبعاً والأرضون سبعاً وأبواب جهنم سبعاً وأبواب الجنة ثمانية، لأنها الحسنى وزيادة، فالزيادة هي الثامن؛ لأن العرب عند الثامن يزيدون واو تقول القراء لها واو الثمانية وليس ذلك إلا للإستئناف لأنّ العدد تم بالسبعة، ثم بين نتيجة ذلك بقوله تعالى: {إن الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {عزيز} أي: كامل القدرة لا نهاية لمقدوراته {حكيم} أي: كامل العلم لا نهاية لمعلوماته.
تنبيه: قد علم مما تقرّر أنّ الآية من الاحتباك ذكر الأقلام دليلاً على حذف مدادها وذكر السبعة في مبالغة الأبحر دليلاً على حذفها في الأشجار، ولما ختم تعالى بهاتين الصفتين بعد إثبات القدرة على الإبداع من غير انتهاء ذكر بعض آثارها في البعث بقوله تعالى:
{ما خلقكم} أي: كلكم في عزته وحكمته إلا كخلق نفس واحدة، وأعاد النافي نصاً على كل واحد من الخلق والبعث على حدته بقوله تعالى: {ولا بعثكم} أي: كلكم {إلا كنفس} أي: كبعث نفس، وبين الأفراد تحقيقاً للمراد تأكيداً للسهولة بقوله تعالى: {واحدة} فإن كلماته مع كونها غير نافذة نافذة وقدرته مع كونها باقية بالغة فنسبة القليل والكثير إلى قدرته على حدّ سواء؛ لأنه لا يشغله شأن، عن شأن، ثم دل على ذلك بقوله تعالى: مؤكداً {إن الله} أي: الملك الأعلى {سميع} أي: بالغ السمع يسمع كل مسموع {بصير} أي: بليغ البصر يبصر كل مبصر لا يشغله شيء عن شيء، ولما قرّر تعالى هذه الآية الخارقة دل عليها بأمر محسوس يشاهد كل يوم مرّتين بقوله تعالى:
{ألم تر} وهو محتمل وجهين: أحدهما: أن يكون الخطاب مع النبيّ صلى الله عليه وسلم الأكثر وكأنه تعالى ترك الخطاب مع غيره؛ لأن من هو غيره من الكفار لا فائدة في الخطاب معهم ومن هو غيره من المؤمنين فهم تبع له، والوجه الثاني: المراد منه الوعظ والواعظ يخاطب ولايعين أحداً فيقول لجمع عظيم: يا مسكين إلى الله مصيرك فمن نصيرك ولماذا تقصيرك {أنّ الله} أي: بجلاله وعز كماله {يولج} أي: يدخل إدخالاً لا مرية فيه {الليل في النهار} فيغيب فيه بحيث لا يرى شيء منه فإذا النهار قد عمّ الأرض كلها أسرع من اللمح {ويولج النهار} أي: يدخله كذلك {في الليل} فيخفى حتى لا يبقى له أثر فإذا الليل قد طبق الآفاق مشارقها ومغاربها في مثل الطرف فيميز سبحانه كلاً منهما من الآخر بعد اضمحلاله فكذلك الخلق والبعث في قدرته بعزته وحكمته لبلوغ سمعه ونفوذ بصره {وسخر الشمس} آية للنهار يدخل الليل فيه {والقمر} أي: آية لليل كذلك ثم استأنف ما سخرا فيه بقوله تعالى: {كل} أي: منهما {يجري} أي: في فلكه سائراً متمادياً وبالغاً ومنتهياً {إلى أجل مسمى} لا يتعداه في منازل معروفة في جميع الفلك