{أولئك} أي: هؤلاء البعداء البغضاء {لهم عذاب مهين} لإهانتهم الحق باستثناء الباطل عليه، ولما كان الإنسان قد يكون غافلاً فإذا نبه انتبه نبه سبحانه وتعالى على أن هذا الإنسان المنهمك في أسباب الخسران لا يزداد على ممرّ الزمان إلا مفاجأة لكل ما يرد عليه من البيان بقوله تعالى:
{وإذا تتلى عليه آياتنا} أي: تتجدّد عليه تلاوتها أي: تلاوة القرآن من كل تال كان {ولى} أي: بعد السماع مطلق التولية سواء كان على المجانبة أو مدبراً {مستكبراً} أي: طالباً للكبر موجداً له بالإعراض عن الطاعة {كأن} أي: كأنه لم {يسمعها} فهو لم يزل على حالة الكبر {كأن في أذنيه وقراً} أي: صمماً يستوي معه تكليم غيره له وسكوته (تنبيه) : جملتا التشبيه حالان من ضمير ولى، أو الثانية بيان للأولى. وقرأ نافع بسكون الذال، والباقون بضمنها، ولما تسبب عن ذلك استحقاقه لما يزيل كبره وعظمته قال تعالى {فبشره} أي: أعلمه {بعذاب أليم} أي: مؤلم، وذكر البشارة تهكم به وهو النضر بن الحارث كما مرّت الإشارة إليه، ولما بين تعالى حال المعرض عن سماع الآيات بين حال من يقبل على تلك الآيات بقوله تعالى:
{إن الذين آمنوا} أي: أوجدوا الإيمان {وعملوا} أي: تصديقاً له {الصالحات لهم جنات} أي: بساتين {النعيم} أي: نعيم جنات فعكس للمبالغة كما أنّ لهؤلاء العذاب المهين، ووحد العذاب وجمع الرحمة إشارة إلى أنّ الرحمة واسعة أكثر من الغضب، ولما كان ذلك قد لا يكون دائماً وكان السرور بشيء قد ينقطع قال تعالى:
{خالدين فيها} أي: دائماً، وقوله تعالى {وعد الله} أي: الذي لا شيء أجل منه مصدر مؤكد لنفسه؛ لأنّ قوله تعالى جنات في معنى وعدهم الله تعالى ذلك وقوله تعالى {حقاً} مصدر مؤكد لغيره أي: لمضمون تلك الجملة الأولى وعاملهما مختلف، فتقدير الأولى: وعد. الله ذلك وعداً. وتقدير الثانية: أحق ذلك حقاً فأكد نعيم الجنات ولم يؤكد العذاب المهين {وهو العزيز} أي: فلا يغلبه شيء {الحكيم} أي: الذي لا يضع شيئاً إلا في محله، ولما ختم بصفتي العزة وهي غاية القدرة والحكمة وهي ثمرة العلم دل عليهما بإتقان أفعاله بقوله تعالى:
{خلق السموات} على علوّها وكبرها وضخامتها {بغير عمد} وقوله تعالى {ترونها} فيه وجهان: أحدهما: أنه راجع إلى السموات إذ ليست بعمد أصلاً وأنتم ترونها كذلك بغير عمد، الثاني: أنه راجع إلى العمد ومعناه بغير عمد مرئية، وعلى كلا الوجهين هي ثابتة لا تزول وليس ذلك إلا بقدرة قادر مختار، تنبيه: أكثر المفسرين أنّ السموات مبسوطة كصحف مستوية لقوله تعالى {يوم نطوي السماء كطيّ السجلّ للكتب} (الأنبياء: 104)
وقال بعضهم: إنها مستديرة وهو قول جميع المهندسين والغزالي رحمه الله تعالى حيث قال: ونحن نوافقهم في ذلك فإنّ لهم عليّ دليلاً من المحسوسات ومخالفة الحس لا تجوز، وإن كان في الباب خبر يؤّول بما يحتمله فضلاً عن أن ليس في القرآن والخبر ما يدل على ذلك صريحاً بل فيه ما يدل على الاستدارة كقوله تعالى {كل في فلك يسبحون} (الأنبياء: 33)
والفلك اسم لشيء مستدير بل الواجب أنّ السموات سواء كانت مستديرة أو صفيحة مستقيمة هي مخلوقة لله تعالى باختيار لا بإيجاب وطبع، ولما ذكر تعالى العمد المقلة ذكر الأوتاد المقرّة بقوله تعالى: {وألقى في الأرض} أي: التي أنتم عليها جبالاً {رواسي} والعجب أنها من فوقها