الخلق {بآية} مثل العصا واليد لموسى عليه السلام {ليقولنّ الذين كفروا} منهم {إن} أي: ما {أنتم إلا مبطلون} أي: أصحاب أباطيل، فإن قيل: لم وحد في قوله تعالى {جئتهم} وجمع في قوله تعالى {إن أنتم} ؟ أجيب: بأنّ ذلك لنكتة وهي أنه تعالى أخبر في موضع آخر فقال: {ولئن جئتهم بكل آية} أي: جاءت بها الرسل فقال الكفار: ما أنتم أيها المدّعون الرسالة كلكم إلا كذا. وقال الجلال المحلي: إن أنتم أي: محمد وأصحابه، وأمّا الذين آمنوا فيقولون نحن بهذه الآية مؤمنون.

{كذلك} أي: مثل هذا الطبع العظيم {يطبع الله} أي: الذي له العظمة والكمال {على قلوب الذين لا يعلمون} توحيد الله، فإن قيل: من لا يعلم شيئاً أي: فائدة في الإخبار عن الطبع على قلبه؟ أجيب: بأنّ معناه أنّ من لا يعلم الآن فقد طبع على قلبه من قبل. ثم إنه تعالى سلّى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:

{فاصبر} أي: على إنذارهم مع هذا الجفاء والردّ بالباطل والأذى فإنّ الكل فعلنا لم يخرج منه شيء عن إرادتنا {إنّ وعد الله} أي: الذي له الكمال كله بنصرك وإظهار دينك على الدين كله وفي كل ما وعد به {حق} أي: ثابت جدّاً يطابقه الواقع كما يكشف عنه الزمان وتأتي به مطايا الحدثان. ولما كان التقدير فلا تعجل عطف عليه قوله تعالى {ولا يستخفنك} أي: يحملنك على الخفة ويطلب أن تخف باستعجال النصر خوفاً من عواقب تأخيره وتنفيرك عن التبليغ {الذين لا يوقنون} أي: أذى الذين لا يصدقون بوعدنا من البعث والحشر وغير ذلك تصديقاً ثابتاً في القلب بل هم إما شاكون وأدنى شيء يزلزلهم كمن يعبد الله على حرف، أو مكذبون فهم بالغون في العداوة والتكذيب حتى إنهم لا يصدّقون في وعد الله بنصر الروم على فارس كأنهم على ثقة وبصيرة من أمرهم في أنّ ذلك لا يكون. فإذا صدق الله وعده في ذلك بإظهاره عن قرب علموا كذبهم عياناً، وعلموا إن كان لهم علم أنّ الوعد بالساعة لإقامة العدل على الظالم والعود بالفضل على المحسن كذلك يأتي وهم صاغرون ويحشرون وهم داخرون.

{وسيعلم الذين ظلموا أي: منقلب ينقلبون} فقد انعطف آخر السورة على أوّلها واتصل به اتصال القريب بالقريب. وها أنا أسأل الله تعالى القريب المجيب أن يغفر ذنوب من كتب هذا وهو محمد الشربيني الخطيب ويفعل ذلك بوالديه وأولاده ومشايخه وكل محب له وحبيب، وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الروم كان له من الأجر عشر حسنات بعدد كل ملك يسبح الله بين السماء والأرض وأدرك ما صنع في يومه وليلته» حديث موضوع رواه الثعلبيّ في تفسيره والله تعالى أعلم بالصواب.

سورة لقمان

مكية أو إلا {ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام} الآيتينوهي أربع أو ثلاث وثلاثون آية، وخمسمائة وثمانوأربعون كلمة، وألفان ومائة وعشرة أحرف

{بسم الله} أي: الذي وسع كل شيء رحمة وعلماً {الرحمن} الذي شملت نعمته سائر بريته {الرحيم} بأوليائه فخصهم بمعرفته قوله تعالى:

{ألم} تقدّم الكلام عليه في أوّل سورة البقرة، وقيل: إنه أشار بذلك إلى أن الله الملك الأعلى أرسل جبريل عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم بوحي ناطق من الحكم والأحكام بما لم ينطق به من قبله إمام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015