لأنه أحق الناس بالبر وصلة الرحم جوداً وكرماً {والمسكين} سواء كان ذا قرابة أم لا {وابن السبيل} وهو المسافر كذلك من الصدقة، وأمّة النبيّ صلى الله عليه وسلم تبع له في ذلك.
تنبيه: عدم ذكر بقية الأصناف يدلّ على أنّ ذلك في صدقة التطوّع، ودخل الفقير من باب أولى لأنه أسوأ حالاً من المسكين، فإن قيل: كيف تعلق قوله تعالى {فآت ذا القربى حقه} بما قبله حتى جيء بالفاء؟ أجيب: بأنه لما ذكر أنّ السيئة أصابتهم بما قدّمت أيديهم أتبعه ذكر ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك، وقد احتج أبو حنيفة بهذه الآية في وجوب النفقة للمحارم إذا كانوا محتاجين عاجزين عن الكسب، وعند الشافعي رضي الله عنه لا نفقة بالقرابة إلا على الولد والوالدين. قاس سائر القرابة على ابن العمّ؛ لأنه لا ولادة بينهم، ولما أمر بالإيثار رغب فيه بقوله تعالى: {ذلك} أي: الإيثار العالي الرتبة {خير للذين يريدون وجه الله} أي: ذاته أو جهته وجانبه أي: يقصدون بمعروفهم إياه خالصاً لوجهه كقوله تعالى {إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى} أي: يقصدون جهة التقرّب إلى الله تعالى لا جهة أخرى، والمعنيان متقاربان ولكن الطريقة مختلفة {وأولئك} أي: العالو الرتبة لغناهم عن كل فان {هم المفلحون} أي: الفائزون الذين لا يشوب فلاحهم شيء، وأمّا غيرهم فخائب: أمّا من لم ينفق فواضح، وأما من أنفق على وجه الرياء فقد خسر ماله وأبقى عليه وباله كما قال تعالى:
{وما آتيتم من ربوا} أي: مال على وجه الربا المحرّم بزيادة في المعاملة أو المكروه بعطية يتوقع بها مزيد مكافأة، وكان هذا مما حرم على النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {ولا تمنن تستكثر} (المدير: 6)
أي: لا تعط وتطلب أكثر مما أعطيته تشريفاً له، وكره لعامّة الناس فسمي باسم المطلوب من الزيادة في المعاملة فالربا ربوان: فالحرام: كل قرض يؤخذ فيه أكثر منه أو يجرّ منفعة، والذي ليس بحرام أن يستدعي بهديته أو بهبته أكثر منها، وقرأ ابن كثير بقصر الهمزة بمعنى ما جئتم به من إعطاء ربا، والباقون بمدّها {ليربو} أي: يزيد ويكثر ذلك {في أموال الناس} أي: يحصل فيه زيادة تكون أموال الناس ظرفاً لها فهو كناية عن أنّ الزيادة التي يأخذها المرابي من أموالهم لا يملكها أصلاً، وقرأ نافع بتاء الخطاب بعد اللام مضمومة وسكون الواو، والباقون بالياء التحتية مفتوحة وفتح الواو {فلا يربو} أي: يزكو وينمو فلا ثواب فيه {عند الله} أي: الملك الأعلى الذي له الغنى المطلق وصفات الكمال، وكل ما لا يربو عند الله فهو ممحوق لا وجود له فمآله إلى فناء وإن كثر {يمحق الله الربوا ويربى الصدقات} (البقرة: 276)
ولما ذكر ما زيادته نقص أتبعه ما نقصه زيادة بقوله {وما آتيتم} أي: أعطيتم {من زكاة} أي: صدقة، وعبر عنها بذلك ليفيد الطهارة والزيادة أي: تطهرون بها أموالكم من الشبه، وأبدانكم من موادّ الخبث، وأخلاقكم من الغلّ والدنس، ولما كان الإخلاص عزيزاً أشار إلى عظمته بتكريره بقوله عز وجل {تريدون} أي: بها {وجه الله} أي: عظمة الملك الأعلى، فيعرفون من حقه ما يتلاشى عندهم كل ما سواه فيخلصون له {فأولئك هم المضعفون} أي: ذوو الإضعاف الذين ضاعفوا أموالهم في الدنيا بسبب ذلك بالحفظ والبركة، وفي الآخرة بكثرة الثواب عند الله من عشر أمثال إلى ما لا حصر له.
ونظير المضعف المقوي والموسر لذي القوّة واليسار، ولما وضح بهذا أنه لا زيادة إلا فيما يزيده الله ولا تخير إلا فيما يختاره