جمعت الآيتان الصلوات الخمس ومواقيتها، وإنما خص هذه الأوقات مع أن أفضل الأعمال أدومها؛ لأنّ الإنسان لا يقدر أن يصرف جميع أوقاته إلى التسبيح لأنه محتاج إلى ما يعيشه من مأكول ومشروب وغير ذلك، فخفف الله عنه العبادة في غالب الأوقات وأمره بها في أوّل النهار ووسطه وآخره وفي أوّل الليل ووسطه فإذا صلى العبد ركعتي الفجر فكأنما سبح قدر ساعتين، وكذلك باقي الركعات وهن سبع عشرة مع ركعتي الفجر، فإذا صلى الإنسان الصلوات الخمس في أوقاتها فكأنما سبح الله سبع عشرة ساعة من الليل والنهار، بقي عليه سبع ساعات من جميع الليل والنهار وهي مقدار النوم، والنائم مرفوع عنه القلم فيكون قد صرف جميع أوقاته بالتسبيح في العبادة، أو بمعنى: نزهوه من السوء بالثناء عليه بالخير في هذه الأوقات لما يتجدد فيها من نعم الله تعالى الظاهرة.

عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر،» وعنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال وزاد عليه» وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم» وعن جويرية بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنها أنه خرج ذات غداة من عندها وكان اسمها برّة فحوّله رسول الله صلى الله عليه وسلم فسماها جويرية فكره أن يقال خرج من عند برّة، فخرج وهي في مسجدها أي: مصلاها، فرجع بعد ما تعالى النهار فقال: «مازلت في مجلسك هذا منذ خرجت بعد قالت نعم فقال لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزن بكلماتك لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» .

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أيعجز أحدكم أن يكتسب في كل يوم ألف حسنة فسأله سائل من جلسائه كيف يكتسب كل يوم ألف حسنة قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة» وفي غير رواية مسلم ويحط بغير ألف، ولما كان الإنسان عند الإصباح يخرج من سنة النوم إلى سنة الوجود وهي اليقظة، وعند العشاء يخرج من اليقظة إلى النوم أتبعه الأحياء والإماتة حقيقة بقوله تعالى:

{يخرج الحيّ} كالإنسان والطائر {من الميت} كالنطفة والبيضة {ويخرج الميت} كالبيضة والنطفة {من الحيّ} على عكس ذلك، أو يعقب الحياة الموت وبالعكس، وقيل: يخرج المؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن {ويحيي الأرض} أي: بالمطر وإخراج النبات {بعد موتها} أي: يبسها {وكذلك} أي: ومثل هذا الإخراج {تخرجون} بأيسر أمر من الأرض بعد تفرّق أجسامكم فيها أحياء للبعث والحساب، وقرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي الميت بكسر الياء المشددة، والباقون بالسكون، وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان بخلاف عنه بفتح التاء قبل الخاء وضم الراء على البناء للفاعل، والباقون بضمّ التاء وفتح الراء على البناء للمفعول.

{ومن آياته} أي: ومن جملة علامات توحيده وكمال قدرته {أن خلقكم} أي: أصلكم وهو آدم عليه السلام {من تراب}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015