ضعفها وعدم ادخارها، وترزيقه لكم على قوتكم وادخاركم فإنه هو المسبب وحده فإنّ الفريقين تارة يجدون وتارة لا يجدون فصار الإدخار وعدمه غير معتدّ به ولا منظوراً إليه، وقرأ ابن كثير بعد الكاف بألف وبعد الألف همزة مكسورة، والباقون بعد الكاف همزة مفتوحة وبعدها ياء مشدّدة، ووقف أبو عمرو على الياء، ووقف الباقون على النون، وحمزة في الوقف يسهل الهمزة على أصله.
تنبيه: كأين كلمة مركبة من كاف التشبيه وأي: التي تستعمل استعمال من وما ركبتا وجعل المركب بمعنى كم ثم لم تكتب إلا بالنون ليفصل بين المركب وغير المركب لأنّ كأي تستعمل غير مركبة كما يقول القائل: رأيت رجلاً كأيّ رجل يكون وحينئذٍ لا يكون كأي: مركباً فإذا كان كأيّ ههنا مركباً كتب بالنون للتمييز {وهو السميع} لأقوالكم نخشى الفقر والضيعة {العليم} بما في ضمائركم.
واختلف في سبب نزول هذه الآية فعن ابن عمر أنه قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً من حوائط الأنصار: «فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتقط الرطب بيده ويأكل فقال كل يا ابن عمر قلت: لا أشتهيه يا رسول الله قال لكني أشتهيه وهذه صبح رابعة لم أطعم طعاماً ولم أجده فقلت: يا رسول الله إن الله المستعان فقال: يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر أضعافاً مضاعفة ولكني أجوع يوماً وأشبع يوماً فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة ويضعف اليقين فنزلت {وكأين من دابة} (العنكبوت: 60)
وروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للمؤمنين الذين كانوا بمكة وآذاهم المشركون «هاجروا إلى المدينة فقالوا: كيف نخرج إلى المدينة وليس لنا بها دار ولا مال فمن يطعمنا ويسقينا فنزلت» وعن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم «كان لا يدخر شيئاً» وقال صلى الله عليه وسلم «لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» وقال صلى الله عليه وسلم «أيها الناس ليس شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار ويباعدكم من الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإنّ الروح الأمين نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته» .
{ولئن} اللام لام قسم {سألتهم} أي: كفار مكة وغيرهم {من خلق السموات والأرض} وسوّاهما على هذا النظام العظيم {وسخر الشمس والقمر} لإصلاح الأقوات ومعرفة الأوقات وغير ذلك من المنافع {ليقولنّ الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال لما تقرّر في نظرهم من ذلك وتلقوه من آبائهم موافقة للحق في نفس الأمر {فأنى} أي: فكيف ومن أيّ وجه {يؤفكون} أي: يصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك، فإن قيل: ذكر في السموات والأرض الخلق، وفي الشمس والقمر التسخير؟ أجيب: بأنّ مجرد خلق السموات والأرض آية ظاهرة بخلاف خلق الشمس والقمر فإنهما لو كانا في موضع واحد لا يتحرّكان ما حصل الليل والنهار