وأرسلهم مبشرين ومنذرين كما قال تعالى:

{ولما جاءت} وأسقط أن لأنه لم يتصل القول بأوّل المجيء بل كان قبله السلام والضيافة وعظم الرسل بقوله تعالى: {رسلنا} أي: من الملائكة تعظيماً لهم في أنفسهم {إبراهيم بالبشرى} أي: بإسحاق ولداً له ويعقوب ولداً لإسحاق عليهما السلام.

{قالوا} أي: الرسل عليهم السلام لإبراهيم عليه السلام بعد أن بشروه وتوجهوا نحو سدوم {إنا مهلكوا أهل هذه القرية} أي: قرية سدوم، والإضافة لفظية لأنّ المعنى على الاستقبال، ثم عللوا ذلك بقولهم: {إنّ أهلها كانوا ظالمين} أي: غريقين في هذا الوصف فلا حيلة في رجوعهم عنه، فإن قيل قال تعالى في قوم نوح: {فأخذهم الطوفان وهم ظالمون} (العنكبوت، 14) ففي ذلك إشارة إلى أنهم كانوا على ظلمهم حين أخذهم ولم يقل فأخذهم وكانوا ظالمين وهنا قال: {إنّ أهلها كانوا ظالمين} ولم يقل وهم ظالمون؟ أجيب: بأنه لا فرق في الموضعين في كونهما مهلكين وهم مصرون على الظلم لكن هناك الإخبار من الله تعالى عن الماضي حيث قال فأخذهم وهم عند الوقوع في العذاب ظالمون وههنا الإخبار من الملائكة عن المستقبل حيث قالوا: {إنا مهلكوا} فذكروا ما أمروا به فإنّ الكلام عن الملك بغير إذنه سوء أدب، وهم كانوا ظالمين في وقت الأمر وكونهم يبقون كذلك لا علم لهم به، ولما قالت الملائكة لإبراهيم عليه السلام ذلك {قال} لهم مؤكداً تنبيهاً على حالة ابن أخيه {إنّ فيها لوطاً} ولم يقل عليه السلام إن منهم لوطاً لأنه نزيل عندهم فلذا جاء بالتصريح بالسؤال عنه {قالوا} أي: الرسل عليهم السلام له: {نحن أعلم} منك {بمن فيها} أي: من لوط وغيره {لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} أي: الباقين في العذاب وهم الفجرة لتعم وجهها معهم الغبرة، وقرأ حمزة والكسائي بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم بعدها، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم بعدها.

{ولما أن جاءت رسلنا لوطاً} أي: المعظمون بنا {سيء} أي: حصلت له المساءة والغم {بهم} أي: بسببهم مخافة أن يقصدهم قومه بسوء لما رأى من حسن أشكالهم وهو يظنّ أنهم من الناس لأنهم جاؤوا من عند إبراهيم عليه السلام إليه على صورة البشر، روي أنهم كانوا يجلسون مجالسهم وعند كل رجل منهم قصعة فيها حصاً فإذا مرّ بهم عابر سبيل حذفوه فأيهم أصابه كان أولى به، قيل: إنه كان يأخذه معه وينكحه ويغرّمه ثلاثة دراهم ولهم قاض بذلك، ولهذا يقال: أجور من قاضي سدوم.

{وضاق} أي: بأعمال الحيلة في الدفع عنهم {بهم ذرعاً} أي: ذرعه أي: طاقته والأصل في ذلك أنّ من طالت ذراعه نال ما لا يناله قصيرها يضرب مثلاً في العجز والقدرة، ولما رأوه على هذه الحالة خفضوا عليه {قالوا} له {لا تخف} إنا رسل ربك لإهلاكهم {ولا تحزن} أي: على تمكنهم منا أو على أحد ممن يهلك فإنه ليس في أحد منهم خير يؤسف عليه بسببه فإنهم وصلوا في الخبث إلى حدّ لا مطمع في الرجوع عنه مع ملازمته لدعائهم من غير ملل ولا ضجر، ثم عللوا ذلك بقولهم مبالغين في التأكيد: {إنا منجوك} أي: مبالغون في إنجائك وقولهم: {وأهلك} منصوب على محل الكاف {إلا امرأتك كانت من الغابرين} فإن قيل: القوم عذبوا بسبب ما صدر منهم من الفاحشة وامرأته لم يصدر منها ذلك فكيف كانت من الغابرين معهم؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015