معلوم فنكره لعدم حصول العلم به {واعبدوه} أي: عبادة يقبلها وهي ما كانت خالصة من الشرك {واشكروا} أي: أوقعوا الشكر {له} خاصة على ما أفاض عليكم من النعم، ثم علل ذلك بقوله تعالى: {إليه} وحده {ترجعون} أي: معنى في الدنيا والآخرة فإنه لا حكم في الحقيقة لأحد سواه، وحساً بالنشر والحشر بأيسر أمر فيثيب الطائع ويعذب العاصي، ولما فرغ من بيان التوحيد أتى بعده بالتهديد فقال:
{وإن تكذبوا} أي: وإن تكذبوني {فقد} أي: فيكفيكم في الوعظ والتهديد معرفتكم بأنه قد {كذب أمم} أي: في الأزمان الكائنة {من قبلكم} أي: من قبلي من الرسل فجرى الأمر فيهم على سنن واحد لم يختلف قط في نجاة المطيع للرّسول، وهلاك العاصي له، ولم يضرّ ذلك الرسول شيئاً وما أضروا به إلا أنفسهم {وما على الرسول} أن يقهركم على التصديق بل ما عليه {إلا البلاغ المبين} الموضح مع ظهوره في نفسه بلا مرية بحيث لا يبقى فيه شك بإظهار المعجزة وإقامة الأدلة على الوحدانية.
تنبيه: في المخاطب بهذه الآية والآيات بعدها إلى قوله تعالى: {فما كان جواب قومه} وجهان الأوّل: أنه قوم إبراهيم عليه السلام لأنّ القصة له فكأنّ إبراهيم عليه السلام قال لقومه: إن تكذبوني فقد كذب أمم من قبلكم، وإنما أتيت بما عليّ من التبليغ فإنّ الرسول ليس عليه إلا التبليغ والبيان، فإن قيل: إنّ إبراهيم عليه السلام لم يسبقه إلا قوم نوح وهم أمّة واحدة؟ أجيب: بأن قبل قوم نوح أيضاً كان أقوام كقوم إدريس وقوم شيث وآدم، وأيضاً فإنّ نوحاً عليه السلام عاش أكثر من ألف سنة وكان القرن يموت وتجيء أولاده والآباء يوصون الأبناء بالامتناع من الاتباع فكفى بقوم نوح أمما ولقد عاش إدريس ألف سنة في قومه إلى أن رفع إلى السماء وآمن به ألف إنسان منهم على عدد سنيه وأعقابهم على التكذيب.
الثاني: أنّ الآية مع قوم محمد صلى الله عليه وسلم لأنّ هذه القصص أكثرها المقصود منه تذكير قومه بحال من مضى حتى يمتنعوا من التكذيب ويرتدعوا خوفاً من التعذيب فقال في أثناء حكاياتهم يا قوم: إن تكذبوا فقد كذب قبلكم أقوام هلكوا فإن كذبتم فإني أخاف عليكم أن يقع بكم ما وقع بغيركم، وعلى هذا اقتصر الجلال المحلي والبقاعي.
وهذه الآية تدل كما قال ابن عادل: على أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة لأنّ الرسول إذا بلغ شيئاً ولم يبينه فلم يأت بالبلاغ المبين.
{أو لم يروا} أي: ينظروا {كيف يبدئ الله} أي: الذي له كل كمال {الخلق} أي: يخلقهم الله تعالى ابتداء نطفة ثم مضغة ثم علقة {ثم} هو لا غيره {يعيده} أي: الخلق كما كان {إنّ ذلك} أي: المذكور من الخلق الأوّل والثاني {على الله} أي: الجامع لكل كمال، المنزه عن كل شائبة نقص {يسير} فكيف ينكرون الثاني؟، فإن قيل: متى رأى الإنسان بدء الخلق حتى يقال أو لم يروا كيف يبدأ الله الخلق؟.
أجيب: بأنّ المراد بالرؤية العلم الواضح الذي هو كالرؤية فالعاقل يعلم أنّ البدء من الله تعالى لأنّ الخلق الأول لا يكون من مخلوق وإلا لما كان الخلق الأول خلقاً أوّل فهو من الله تعالى، فإن قيل علق الرؤية بالكيفية لا بالخلق ولم يقل أو لم يروا أنّ الله خلق أو بدأ الخلق والكيفية غير معلومة؟ أجيب: بأنّ هذا القدر من الكيفية معلوم وهو أنه خلقه ولم يكُ شيئاً مذكوراً