للعلم به ولأن فعل الاستجابة يتعدّى بنفسه إلى الدعاء وباللام إلى الداعي فإذا عدي إليه حذف الدعاء غالباً كقول القائل:

*وداعٍ دعا يا من يجيب إلى الندا ... فلم يستجبه عند ذاك مجيب*

وداعٍ (أي: ورب داع) .

الشاهد في يستجبه حيث عدّاه إلى الداعي وحذف الدعاء والتقدير فلم يستجب دعاءه {فاعلم} أنت {أنما يتبعون} أي: بغاية جهدهم فيما هم عليه من الكفر والتكذيب {أهواءَهم} أي: دائماً وأكثر الهوى مخالف للهدى فهم ضالون غير مهتدين بل هم أضلّ الناس وذلك معنى قوله تعالى: {ومن أضلّ ممن اتبع} أي: بغاية جهده {هواه} أي: لا أحد أضل منه فهو استفهام بمعنى النفي وقوله تعالى: {بغير هدى من الله} في موضع الحال للتوكيد والتقييد فإن هوى النفس قد يوافق الهدى {إنّ الله لا يهدي القوم الظالمين} أي: وإن كانوا أقوى الناس لاتباعهم أهواءهم.

{ولقد وصلنا} قال ابن عباس: بيّنا، وقال الفراء: أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً {لهم} أي: خاصة فكان تخصيصهم بذلك منّة عظيمة يجب عليهم شكرها {القول} أي: القرآن، قال مقاتل: بيَّنا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم وقال ابن زيد: وصلنا لهم خير الدنيا بخير الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا {لعلهم يتذكرون} أي: ليكون حالهم حال من يرجى لهم أن يرجعوا إلى عقولهم فيجدوا فيما طبع فيها ما يذكرهم بالحق، ثم كأنه قيل هل تذكر منهم أحد؟ قيل نعم أهل الكتاب الذين هم أهله حقاً تذكروا وذلك معنى قوله تعالى:

{الذين آتيناهم الكتاب من قبله} أي: قبل القرآن أو قبل محمد صلى الله عليه وسلم {هم به} أي: بما تقدّم {يؤمنون} أيضاً: نزل في جماعة أسلموا من اليهود عبد الله بن سلام وأصحابه، وقال مقاتل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وقال سعيد بن جبير هم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا له يا نبيّ الله إنّ لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا بها المسلمين فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم ذلك إلى قوله تعالى: {ومما رزقناهم ينفقون} وعن ابن عباس: نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام، ثم وصفهم الله تعالى بقوله تعالى:

{وإذا يتلى} أي: تتجدّد تلاوة القرآن {عليهم قالوا} أي: مبادرين لذلك {آمنا به} ثم عللوا ذلك بقولهم {إنه الحق} أي: الكامل الذي ليس وراءه إلا الباطل مع كونه {من ربنا} أي: المحسن إلينا ثم عللوا مبادرتهم بقولهم {إنا كنا من قبله} أي: القرآن {مسلمين} أي: منقادين غاية الانقياد مخلصين لله بالتوحيد مؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم أنه نبيّ حق.

{أولئك} أي: العالو الرتبة {يؤتون أجرهم مرّتين} أي: لإيمانهم به غيباً وشهادة أي: بالكتاب الأوّل ثم بالكتاب الثاني {بما صبروا} أي: بسبب صبرهم على دينهم، وقال مجاهد: نزلت في قوم من أهل الكتاب أسلموا فأؤذوا، وعن أبي بردة عن أبي موسى أنّ رسول الله صلى الله عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015