البياتين، ثم قالوا ما شهدنا مهلك أهله فذكروا أحدهما، كانوا صادقين لأنهم فعلوا البياتين جميعاً لا أحدهما، وفي هذا دليل قاطع على أنّ الكذب قبيح عند الكفرة الذين لا يعرفون الشرع ونواهيه ولا يخطر ببالهم إلا أنهم قصدوا قتل نبيّ الله ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا كاذبين حتى سوّوا للصدق في خبرهم حيلة يتفصون فيها عن الكذب ولما كان منهم عمل من لم يظنّ أنّ الله عالم به قال تعالى محذراً أمثالهم عن أمثال ذلك.

{ومكروا مكراً} وهو ما أخفوه من تدبيرهم الفتك بصالح وأهله {ومكرنا مكراً} أي: جازيناهم على مكرهم بتعجيل العقوبة {وهم لا يشعرون} أي: لا يتجدّد لهم شعور بما قدّرناه عليهم، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة، وقيل: إنّ الله تعالى أخبر صالحاً بمكرهم فتحرّز عنهم فذاك مكر الله تعالى في حقهم.

{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم} في ذلك {أنا دمرناهم} أي: أهلكناهم {وقومهم أجمعين} روي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاثة فنحن نفرغ منه ومن أهله قبل الثلاثة فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم فبعث الله تعالى صخرة من أهضب جبالهم فبادروا إلى الشعب فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فلم يدر قومهم أين هم ولم يدروا ما فعل الله تعالى بهم وبقومهم، وعذب الله تعالى كلاً منهم في مكانه بصيحة جبريل عليه السلام ورمتهم الملائكة بحجارة يرونها ولا يرونهم.

وقال ابن عباس: أرسل الله تعالى الملائكة تلك الليلة إلى دار صالح يحرسونه فأتى التسعة دار صالح شاهرين سيوفهم فرمتهم الملائكة بالحجارة من حيث يرون الحجارة ولا يرون الملائكة فقتلتهم، وقال مقاتل: نزلوا في سفح الجبل ينتظر بعضهم بعضاً ليأتوا دار صالح فحمى عليهم الجبل فأهلكهم وأهلك الله تعالى قومهم بالصيحة.

{فتلك بيوتهم} أي: ثمود كلهم {خاوية} أي: خالية من خوى البطن إذا خلا أو ساقطة منهدمة من خوى النجم إذا سقط تنبيه: خاوية منصوب على الحال، والعامل فيها معنى اسم الإشارة، وقرأ الكوفيون أنا دمرناهم بفتح الهمزة إما على حذف حرف الجرّ، أي: لأنا دمرناهم وإمّا أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي: هي أنا دمرناهم أي: العاقبة تدميرنا إياهم، وقيل غير ذلك، والباقون بكسر الهمزة على الاستئناف وهو تفسير للعاقبة، وقرأ ورش وأبو عمر ووحفص بيوتهم بضم الباء الموحدة، وكسرها الباقون، ولما ذكر تعالى هلاكهم اتبعه بقوله تعالى: {بما ظلموا} أي: بسبب ظلمهم وهو عبادتهم من لا يستحق العبادة وتركهم من يستحقها، ثم زاد في التهويل بقوله تعالى: {إن في ذلك} أي: هذا الأمر الباهر للعقول الذي فعل بثمود {لآية} أي: عبرة عظيمة ولكنها {لقوم يعلمون} قدرتنا فيتعظون أما من لا علم عنده فقد نادى على نفسه في عداد البهائم، ولما ذكر تعالى الذين أهلكهم أتبعه بذكر الذين نجاهم فقال.

{وأنجينا} أي: بعظمتنا وقدرتنا {الذين آمنوا} وهم الفريق الذين كانوا مع صالح كلهم {وكانوا يتقون} أي: متصفين بالتقوى أيضاً فكأنهم مجبولون عليه فيجعلون بينهم وبين ما يسخط الله وقاية من الأعمال الصالحة.

ولما ذكر تعالى قصة صالح عليه السلام أتبعها قصة لوط عليه السلام وهي القصة الرابعة بقوله تعالى:

{ولوطاً}

طور بواسطة نورين ميديا © 2015