الإشارة به إليه اكتفى به وحسن، ولو ولي المذكر لم يحسن، ألا ترى أنك تقول جاءتني هند وزيد ولو أخرت هند لم يجز تأنيث الفعل، وقرأ ابن كثير بالنقل وصلاً وابتداءً وحمزة في الوقف لا غير، والباقون بغير نقل وقوله تعالى:

{هدى وبشرى} يجوز أن يكونا منصوبين على المصدر بفعل مقدّر من لفظهما، أي: يهدي هدىً ويبشر بشرى، وأن يكونا في موضع الحال من آيات والعامل فيهما ما في تلك من معنى الإشارة، وأن يكونا خبراً بعد خبر، وأن يكونا خبري مبتدأ مضمر، أي: هو هدى من الضلالة وبشرى {للمؤمنين} أي: المصدّقين به بالجنة كقوله تعالى: {فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطاً مستقيماً} (النساء: 175)

ولهذا خص به المؤمنين، وقيل المراد بالهدى الدلالة، وإنما خصه بالمؤمنين لأنه ذكر مع الهدى البشرى، والبشرى إنما تكون للمؤمنين، أو لأنهم تمسكوا به كقوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} (النازعات: 45)

أو لأنه يزيد في هداهم كقوله تعالى: {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} (مريم: 76) ، ولما كان وصف الإيمان خفياً وصفهم بما يصدّقه من الأمور الظاهرة بقوله تعالى:

{الذين يقيمون الصلاة} أي: بجميع حدودها الظاهرة والباطنة من المواقيت والطهارات والشروط والأركان والخشوع والمراقبة والإحسان إصلاحاً لما بينهم وبين الخالق {ويؤتون الزكاة} أي: إحساناً فيما بينهم وبين الخلائق {وهم بالآخرة هم يوقنون} أي: يوجدون الإيقان حق الإيجاد بالاستدلال ويجدّدونه في كل حين بما يوجد منهم من الإقدام على الطاعة والإحجام عن المعصية، وأعيد هم لما فصل بينه وبين الخبر، ولما أفهم التخصيص أن ثم من يكذب بها ذكره بقوله تعالى:

{إن الذين لا يؤمنون} أي: لا يوجدون الإيمان ولا يجددونه {بالآخرة زينا} أي: بعظمتنا التي لا يمكن دفاعها {لهم أعمالهم} أي: القبيحة بتركيب الشهوة حتى أعرضوا عن الخوف من عاقبتها مع ظهور قباحتها، والإسناد إليه حقيقيّ عند أهل السنة لأنه الموجد الحقيقيّ، وإلى الشيطان مجاز سببيّ، وعند المعتزلة بالعكس، قال الزمخشريّ في تفسيره: إنّ إسناده إلى الشيطان حقيقة وإسناده إلى الله عز وجل مجاز {فهم} أي: فتسبب عن ذلك أنهم {يعمهون} أي: يتحيرون ويتردّدون في أودية الضلال ويتمادون في ذلك، فهم كل لحظة في خبط جديد بعمل غير سديد.

{أولئك} أي: البعداء البغضاء {الذين لهم} أي: خاصة {سوء العذاب} أي: أشدّه في الدنيا بالخوف والقتل {وهم في الآخرة هم الأخسرون} أي: أشدّ الناس خسارة لأنهم خسروا ما لا خسارة مثله لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم، ولما وصف تعالى القرآن بما اقتضى بيان أهل الفوز والخسران، ذكر حال المنزل عليه وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم مخاطباً له بقوله تعالى:

{وإنك} أي: وأنت يا أشرف الخلق وأعلمهم وأعظمهم وأحكمهم {لتلقى القرآن} أي: لتؤتاه وتلقنه أي: يلقى عليك بشدّة {من لدن} أي: من عند {حكيم} أي: بالغ الحكمة فلا شيء من أفعاله إلا وهو في غاية الإتقان {عليم} أي: عظيم العلم واسعه تامّه شامله، والجمع بينهما مع أنّ العلم داخل في الحكمة لعموم العلم ودلالة الحكمة على إتقان الفعل، والإشعار بأنّ علوم القرآن منها: ما هو كالعقائد والشرائع، ومنها: ما ليس كذلك كالقصص والأخبار عن المغيبات، ثم شرع في بيان تلك العلوم بقوله تعالى:

{إذ قال موسى} أي: اذكر قصته حين قال {لأهله} أي: زوجته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015