وعواقب {ما} أي: العذاب الذي {كانوا به يستهزؤن} أي: يهزؤون من أنه كان حقاً أو باطلاً وكان حقيقاً بأن يصدق ويعظم أمره أو يكذب فيستخف أمره.
ثم قال تعالى: معجباً منهم.
{أو لم يروا إلى الأرض} أي: على سعتها واختلاف نواحيها، ونبه على كثرة ما صنع من جميع الأصناف بقوله تعالى: {كم أنبتنا} أي: بما لنا من العظمة {فيها} بعد أن كانت يابسة ميتة لا نبات فيها {من كل زوج} أي: صنف متشاكل بعضه لبعض فلم يبق صنف يليق بهم في العاجلة إلا أكثرنا من الإنبات منه {كريم} أي: كثير المنافع محمود العواقب وهو صفة لكل ما يحمد ويرضى وهو ضدّ اللئيم، وههنا يحتمل معنيين أحدهما: النبات على نوعين: نافع وضار فذكر كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وخلى ذكر الضار، والثاني: أن يعم جميع النبات نافعه وضاره ويصفهما جميعاً بالكرم وينبه على أنه تعالى ما أنبت شيأً إلا فيه فائدة، لأنّ الحكيم لا يفعل فعلاً إلا لحكمة بالغةٍ وإن غفل عنها الغافلون ولم يتصل إلى معرفتها العاقلون، ولما كان ذلك باهراً للعقل منبهاً له في كل حال على عظيم اقتدار صانعه وبديع اختياره، وصل به قوله تعالى:
{إنّ في ذلك} أي: الأمر العظيم {لآية} أي: دلالة على كمال قدرته تعالى، فإن قيل: حين ذكر الأزواج دل عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة وكان لا يحصيها إلا عالم الغيب، فكيف قال إنّ في ذلك لآية؟ وهلا قال لآيات؟ أجيب بوجهين: أحدهما: أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر أنبتنا فكأنه قال: إنّ في ذلك الإنبات لآية، ثانيهما: أن يراد أنّ في كل واحد من تلك الأزواج لآية {و} الحال أنه {ما كان أكثرهم} أي: البشر {مؤمنين} في علم الله تعالى وقضائه فلذلك لا ينفعهم مثل هذه الآيات العظام، وقال سيبويه: كان زائدة
{وإن} أي: والحال أنّ {ربك} أي: الذي أحسن إليك بالإرسال وسخر لك قلوب الأصفياء وزوى عنك اللد والأشقياء {لهو العزيز} أي: ذو العزة ينتقم من الكافرين {الرحيم} يرحم المؤمنين، ولما كان مع ما ذكر في ذكر القصص تسلية لنبينا صلى الله عليه وسلم فيما يقاسيه من الأذى والتكذيب وكان موسى عليه السلام قد اختص بالكتاب الذي ما بعد القرآن مثله والآيات التي ما أتى بمثلها أحد قبله، بدأ بذكره فقال تعالى:
{وإذ} أي: واذكر إذ {نادى ربك} أي: المحسن إليك بكل ما يمكن الإحسان به في هذه الدار، ثم ذكر المنادى بقوله تعالى: {موسى} أي: حين رأى الشجرة والنار، واختلف أهل السنة في النداء الذي سمعه موسى عليه السلام أهو الكلام القديم أو صوت من الأصوات؟.
قال أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه: هو الكلام القديم فكما أن ذاته تعالى لا تشبه سائر الذوات مع أن الدليل دال على أنها معلومة ومرئية في الآخرة من غير كيف ولا جهة فكذا كلامه منزه عن مشابهة الحرف والصوت مع أنه مسموع.
وقال الماتريدي: هو من جنس الحروف والأصوات، وأما المعتزلة: فقد اتفقوا على أن ذلك النداء كان بحروف وأصوات علم به موسى من قبل الله تعالى فصار معجزاً علم به موسى أن الله تعالى مخاطباً له فلم يحتج مع ذلك لواسطة، ثم ذكر تعالى ما له النداء بقوله تعالى: {أن} أي: بأن {أئت القوم} أي: الذين فيهم قوة وأيًّ قوة {الظالمين} رسولاً، ووصفهم بالظلم لكفرهم،