روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ بين عيني جهنم مقعداً، قالوا: وهل لها من عينين؟ قال: نعم، ألم تسمع قوله تعالى: إذا رأتهم من مكان بعيد» .
وقال البيضاوي: تبعاً للزمخشري: إذا كانت بمرأى منهم كقوله عليه الصلاة والسلام: لا «تراءي ناراهما» أي لا تتقاربان بحيث تكون إحداهما بمرأى من الأخرى على المجاز. انتهى، وهذا تأويل للمعتزلة بناء منهم على أن الرؤية مشروطة بالحياة بخلاف الأشاعرة فإنهم يجوزون رؤيتها حقيقة كتغيظها وزفيرها في قوله تعالى: {سمعوا لها تغيظاً} أي: غلياناً كالغضبان إذ غلى صدره من الغضب {وزفيراً} أي: صوتاً شديداً إذ لا امتناع من أنها تكون رائية مغتاظة زافرة، وأشار البيضاوي إلى ذلك بعد ما ذكر بقوله: هذا. وإن الحياة لما لم تكن مشروطة عندنا بالبينة أمكن أن يخلق الله فيها حياة فترى وتتغيظ وتزفر، وقال الجلال المحلي: وسماع التغيظ رؤيته وعلمه انتهى. قال عبد الله بن عمر: تزفر جهنم يوم القيامة زفرة فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر لوجهه، وقيل: إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً عل الكفار للانتقام منهم، فنسب إليها على حذف مضاف.
{وإذا ألقوا} أي: طرحوا طرح إهانة {منها} أي: النار {مكاناً} ثم وصفه تعالى بقوله تعالى: {ضيقاً} زيادة في فظاعتها، قال ابن عباس: يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح {مقرنين} أي: مصفدين زيادة قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم من الأغلال، وقد قيل: الكرب مع الضيق كما أن الروح مع السعة، ولذلك وصف الله تعالى الجنة بأن عرضها السموات والأرض، وجاء في الأحاديث أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا، ولقد جمع الله تعالى على أهل النار أنواع الضيق والإرهاق حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصاً كما مر عن ابن عباس: أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح، وهو منقول أيضاً عن ابن عمر، وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: «والذي نفسي بيده إنهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط، وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل قرنت أيديهم إلى أعناقهم ويقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة في أرجلهم» .Y
تنبيه: {مكاناً} منصوب على الظرف، ومنها في محل نصب على الحال من مكاناً؛ لأنه في الأصل صفة له، ومقرنين حال من مفعول {ألقوا} ، وقرأ ابن كثير ضيقاً بسكون الياء والباقون بكسر الياء مشددة {دعوا هنالك} أي: في ذلك المكان البغيض البعيد عن الرفق {ثبوراً} قال ابن عباس: ويلاً، وقال الضحاك: هلاكاً، فيقولون: واثبوراه هذا حينك وزمانك؛ لأنه لا منادم لهم غيره، وليس يحضر أحدً منهم سواه، قال البغوي: وفي الحديث «إن أول من يكسى حلة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه، وذريته من خلفه وهو يقول: يا ثبوراه وهم ينادون: يا ثبورهم حتى يقفوا على النار» فيقال لهم:
{لا تدعوا اليوم} أي: أيها الكفار {ثبوراً واحداً} ؛ لأنكم لا تموتون إذا حلت بكم أسباب العذاب والهلاك {وادعوا ثبوراً كثيراً} أي: هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة، أو ادعوا أدعية كثيرة، وقال الكلبي: نزل هذا كله في أبي جهل والكفار الذين ذكروا تلك الشبه، ولما وصف تعالى: