حذر من ذلك بقوله تعالى: {قد يعلم الله} أي: الذي لا تخفى عليه خافية {الذين يتسللون منكم} أي: ينسلون قليلاً قليلاً ليجعلوا ذهابهم في غاية الخفاء، ونظير تسلل تدرج وتدخل، وقوله تعالى: {لواذاً} حال أي: ملاوذين، واللواذ والملاوذة التستر يقال: لاذ فلان بكذا إذا استتر به، وقال ابن عباس: أي: يلوذ بعضهم ببعض، وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم المقام في المسجد يوم الجمعة لا سيما في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا يلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار، وقد للتحقيق وتسبب عن علمه تعالى قوله تعالى: {فليحذر} أي: يوقع الحذر {الذين يخالفون عن أمره} أي: يعرضون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصرفون عنه بغير إذنه، وقال أبو بكر الرازي: الضمير في أمره لله؛ لأنه يليه، وقال الجلال المحلي: أي: الله ورسوله وكلٌ صحيح، فإن مخالفة أمر أحدهما مخالفة أمر الآخر {أن} أي: لئلا {تصيبهم فتنة} قال مجاهد: بلاء في الدنيا، وعن ابن عباس: فتنة قتل، وعن عطاء: زلازل وأهوال، وعن جعفر بن محمد: يسلط الله عليهم سلطاناً جائراً {أو يصيبهم عذاب أليم} أي: وجيع في الآخرة.
تنبيه: الآية تدل على أن الأمر للوجوب؛ لأن تارك الأمور مخالف للأمر، ومخالف الأمر يستحق العذاب، ولا معنى للوجوب إلا ذلك، ولما أقام تعالى الأدلة على أنه نور السموات والأرض وختم بالتحذير لكل مخالف أنتج ذلك أن له كل شيء فقال تعالى:
{ألا إن لله ما في السموات والأرض} خلقاً وملكاً وعبيداً، فإن قيل: ما فائدة ذكر عبيداً بعد ملكاً؟ أجيب: عنه إنما ذكر لئلا يتوهم أن ما لما لا يعقل فقط، ولما كانت أحوالهم من جملة ما هو له، وإنها بخلقه قال تعالى: {قد يعلم ما أنتم} أي: أيها المكلفون {عليه} أي: من الموافقة والمخالفة والإخلاص والنفاق، وإنما أكد علمه بقد لتأكيد الوعيد، وذلك أنَّ قد إذا دخلت على المضارع كانت بمعنى ربما، فوافقت ربما في خروجها إلى معنى التكثير في نحو قول بعضهم:
*فإن تمس مهجور الفناء فربما
... أقام به بعد الوفود وفود
ونحوه يقول زهير:
*أخي ثقة لا تهلك الخمر
... ماله ولكنه قد يهلك المال نائله
والمعنى: أن جميع ما في السموات والأرض مختص به تعالى فكيف يخفى عليه أحوال المنافقين، وإن كانوا يجتهدون في سترها عن العيون وإخفائها؟ وقوله تعالى: {ويوم} أي: ويعلم يوم {يرجعون إليه} فيه التفات عن الخطاب أي: متى تكون، أو ويوم يرجع المنافقون إليه للجزاء {فينبئهم} أي: فتسبب عن ذلك أنه يخبرهم {بما عملوا} أي: من الخير والشر فيجازيهم عليه {والله} أي: الذي لا تخفى عليه خافية {بكل شيء} أي: من أعمالهم وغيرها {عليم} عن عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبويها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور» أخرجه أبو عبد الله في البيع في صحيحه، وأما قول البيضاوي: تبعاً للكشاف: «من قرأ سورة النور أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل مؤمن ومؤمنة فيما مضى وفيما بقي» فهو حديث موضوع.