جعلوا قسيماً للمماليك، فلا يدخل في ذلك الأرقاء، فلا يستدل بذلك على أن العبد البالغ يستأذن على سيدته، وقيل: المراد الذين كانوا مع إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام {كذلك} أي: كما بين لكم ما ذكر {يبين الله} أي: الذي له الإحاطة والقدرة {لكم} أيتها الأمة {آياته} أي: دلالاته {والله} أي: الذي يعلم السر وأخفى {عليم} أي: بأحوال خلقه {حكيم} أي: فيما دبر لهم، قال سعيد بن المسيب: يستأذن الرجل على أمه، فإنما أنزلت هذه الآية في ذلك، وسئل حذيفة: أيستأذن الرجل على والدته؟ فقال: نعم إن لم تفعل رأيت منها ما تكره، وعن أنس قال: لما كانت صبيحة يوم احتلمت دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أني قد احتلمت، فقال: «لا تدخل على النساء فما أتى علي يوم كان أشد منه» . ولما ذكر تعالى إقبال الشباب في تعيين حكم الحجاب أتبعه الحكم عند إدبار الشباب في اتقاء الظاهر من الشباب بقوله تعالى:

{والقواعد من النساء} أي: اللاتي قعدن عن الولد والحيض من الكبر، فلا يلدن ولا يحضن، واحدتهن قاعد بلا هاء، وقيل: قعدن عن الأزواج وهو معنى قوله: {اللاتي لا يرجون نكاحاً} أي: لا يردن الرجال لكبرهن، قال ابن منبه: سميت المرأة قاعداً إذا كبرت؛ لأنها تكثر القعود، وقال ربيعة: هن العجز اللواتي إذا رآهن الرجل استقذرهن، فأما من كان فيها بقية من جمال وهي محل الشهوة فلا تدخل في هذه الآية {فليس عليهن جناح} أي: حرج في {أن يضعن ثيابهن} أي: الظاهرة فوق الثياب الساترة بحضرة الرجال كالجلباب والرداء والقناع فوق الخمار، أما الخمار فلا يجوز وضعه لما فيه من كشف العورة {غير متبرجات بزينة} أي: من غير أن يردن بوضع الجلباب والرداء إظهار زينتهن، ثم إن الزينة الخفية في قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن} أو غير قاصدات بالوضع التبرج، والتبرج هو أن تظهر المرأة محاسن ما ينبغي لها أن تستره، ولما ذكر الله تعالى الجائز عقبه بالمستحب بعثاً منه على اختيار أفضل الأعمال وأحسنها بقوله تعالى: {وأن يستعففن} أي: فلا يلقين الرداء أو الجلباب {خير لهن} من الإلقاء كقوله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى} ، {وأن تصدقوا} لأنه أبعد عن التهمة {والله} أي: الذي جلت عظمته {سميع} لقولكم {عليم} بما في قلوبكم، واختلف في سبب نزول قوله تعالى:

{ليس على الأعمى حرج} أي: في مؤاكلة غيره {ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج} كذلك، فقال ابن عباس لما أنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} : تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمني والعمى والعرج، وقالوا: الطعام أفضل الأموال، وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل، والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب، والأعرج لا يتمكن من الجلوس ولا يستطيع المزاحمة على الطعام، والمريض يضعف عن التناول فلا يستوفي من الطعام حقه، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وعلى هذا تكون على بمعنى في؛ أي: ليس في الأعمى أي: ليس عليكم في مؤاكلة الأعمى والأعرج والمريض حرج.

وقال سعيد بن جبير والضحاك وغيرهما: كان العرجان والعميان والمرضى يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء؛ لأن الناس يستقذرون منهم ويكرهون مؤاكلتهم، وعن عكرمة: كانت الأنصار في أنفسها قزازة فكانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا، وكان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015