أحبها وهي جميلة، قال: استمتع بها، وفي رواية غيره أمسكها إذاً» وقد أجازه ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه، وعنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال: «أوله سفاح وآخره نكاح» ، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه ضرب رجلاً وامرأة زنيا، وحرض أن يجمع بينهما فأبى الغلام.
ولما نفر سبحانه وتعالى عن نكاح من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة نهى عن الرمي به فقال تعالى:
{والذين يرمون} أي: بالزنا {المحصنات} جمع محصنة وهي هنا المسلمة الحرة المكلفة العفيفة وهذا هو الحكم الثالث والذي يدل على أن المراد الرمي بالزنا أمور: أحدها: تقدم ذكر الزنا، ثانيها: أنه تعالى ذكر المحصنات وهن العفائف فدل ذلك على أن المراد بالرمي رميها بضد ذلك، ثالثها: انعقاد الإجماع على أنه لا يجب الجلد بالرمي بغير الزنا فوجب أن يكون المراد هو الرمي بالزنا، رابعها: قوله تعالى: {ثم لم يأتوا} أي: إلى الحكام {بأربعة شهداء} أي: ذكور ومعلوم أن هذا العدد من الشهود غير شرط إلا في الزنا وشرط القاذف الذي يحد بسبب القذف التكليف والاختيار والتزام الأحكام والعلم بالتحريم وعدم إذن المقذوف، وأن يكون غير أصل، وألفاظ القذف تنقسم إلى صريح وكناية وتعريض فمن الصريح قوله لرجل أو امرأة زنيت أو زنيت، أو يا زاني أو يا زانية، ولو كسر التاء في خطاب الرجل وفتحها في خطاب المرأة أو زنيت في الجبل، ومن الكناية زنأت وزنأت في الجبل بالهمز، فإن نوى بذلك القذف كان قذفاً وإلا فلا، ومن التعريض يا ابن الحلال، وأما أنا فلست بزانٍ، فهذا ليس بقذف وإن نواه.
فإن قيل: إذا كان ذلك القذف يشمل الذكر والأنثى فلم كانت الآية الكريمة في الإناث فقط؟ أجيب: بأن الكلام في حقهن أشنع وتنبيهاً على عظيم حق أم المؤمنين عائشة الصديقة رضي الله تعالى عنها، وحدّ القاذف الحر ثمانون كما قال تعالى: {فاجلدوهم} أي: أيها المؤمنون من الأئمة ونوابهم {ثمانين جلدة} لكل واحد منهم لكل محصنة وحدّ القاذف الرقيق ولو مبعضاً أو مكاتباً أربعون جلدة على النصف من الحر لآية النساء فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب فهذه الآية مخصوصة بتلك إذ لا فرق بين الذكر والأنثى، ولا بين حدّ الزنا وحدّ القذف، ويدل على أن المراد بالآية الأحرار قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم} أي: بعد قذفهم {شهادة} أي: شهادة كانت {أبداً} للحكم بافترائهم؛ لأن العبد لا تقبل شهادته، وإن لم يقذف. ولما كان التقدير أنهم قد افتروا عطف عليه تحذيراً من الإقدام عليه من غير تثبت {وأولئك} أي: الذين تقدم ذمهم بالقذف فنزلت رتبتهم جدّاً {هم الفاسقون} أي: المحكوم بفسقهم الثابت لهم هذا الوصف، وإن كان القاذف منهم محقاً في نفس الأمر وفي ذلك دليل على أن القذف من الكبائر؛ لأن اسم الفسق لا يقع إلا على صاحب كبيرة، واختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة، وحكم هذا الاستثناء المذكور في قوله:
{إلا الذين تابوا} أي: رجعوا عما وقعوا فيه من القذف وغيره، وندموا عليه وعزموا على أن لا يعودوا {من بعد ذلك} أي: الأمر الذي أوجب إبعادهم، فذهب قوم إلى أن القاذف ترد شهادته بنفس القذف، فإذا تاب وصلح حاله كما قال تعالى: {وأصلحوا} أي: بعد التوبة بمضي مدة يظن بها حسن الحال، وهي سنة يعتبر بها حال التائب بالفصول الأربعة التي تكشف