بعظمتنا {إلى ربوة} أي: مكان عالٍ من الأرض.
تنبيه: قد اختلف في هذه الربوة، فقال عطاء عن ابن عباس: هي بيت المقدس، وهو قول قتادة وكعب، قال كعب: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً، وقال عبد الله بن سلام: هي دمشق، وقال أبو هريرة: هي الرملة، وقال السدي: هي أرض فلسطين، وقال ابن زيد: هي مصر، وقرأ ابن عامر وعاصم بفتح الراء، والباقون بضم الراء {ذات قرار} أي: منبسطة مستوية واسعة يستقر عليها ساكنوها {ومعين} أي: ماء جار ظاهر تراه العيون.
تنبيه: قد اختلف في زيادة ميم معين وأصالتها فوجه من جعلها مفعولاً أنه مدرك بالعين لظهوره من عانه إذا أدركه بعينه نحو ركبه إذا ضربه بركبته، ووجه من جعله فعيلاً أنه نفاع لظهوره وجريه من الماعون وهو المنفعة قيل: سبب الإيواء أنها مرت بابنها إلى الربوة، وبقيت بها اثنتي عشرة سنة، ثم رجعت إلى أهلها بعدما مات ملكهم وههنا آخر القصص. وقد اختلف في المخاطب بقوله تعالى:
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} على وجوه؛ أحدها: أنه محمد صلى الله عليه وسلم وحده على مذهب العرب في مخاطبة الواحد بلفظ الجماعة، ثانيها: أنه عيسى عليه السلام؛ لأنه روي أنّ عيسى عليه السلام كان يأكل من غزل أمه، ثالثها: أنه كل رسول خوطب بذلك، ووصي به لأنه تعالى في الأزل متكلم آمر ناهٍ، ولا يشترط في الأمر وجود المأمورين بل الخطاب أزلاً على تقدير وجود المخاطبين، فقول البيضاوي: لا على أنهم خوطبوا بذلك دفعة لأنهم أرسلوا في أزمنة مختلفة بل على معنى أنّ كلاً منهم خوطب به في زمانه، تبع فيه «الكشاف» ، فإن المعتزلة أنكروا قدم الكلام فحملوا الآية على خلاف ظاهرها، وأنت خبير بأنّ عدم اشتراط ما ذكر إنما هو في التعلق المعنوي لا التنجيزي الذي الكلام فيه، فإنه مشروط فيه ذلك، وإنما خاطب جميع الرسل بذلك ليعتقد السامع أنّ أمراً خوطب به جميع الرسل ووصوا به حقيق أنّ يؤخذ به ويعمل عليه، وهذا كما قال الرازي أقرب؛ لأنه روي «عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح من لبن في شدّة الحر عند فطره وهو صائم، فرد صلى الله عليه وسلم إليها وقال: من أين لك هذا؟ فقالت: من شاة لي، ثم رده صلى الله عليه وسلم وقال: من أين هذه الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي، فأخذه ثم إنها جاءته فقالت: يا رسول الله لم رددته؟ فقال صلى الله عليه وسلم بذلك أمرت الرسل أنّ لا تأكل إلا طيباً، ولا تعمل إلا صالحاً» ، والمراد بالطيب الحلال، وقيل:
طيبات الرزق الحلال الصافي القوام، فالحلال هو الذي لا يعصى الله تعالى فيه، والصافي هو الذي لا ينسى الله فيه، والقوام هو الذي يمسك النفس ويحفظ العقل، وقيل: المراد بالطيب المستلذ أي: ما تستلذه النفس من المأكل والمشرب والفواكه، ويشهد له مجيئه على عقب قوله تعالى: {وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين} (المؤمنون، 50) ، واعلم أنه سبحانه وتعالى كما قال للمرسلين: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات} قال للمؤمنين: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} ، ودل سبحانه وتعالى على أنّ الحلال عون على الطاعة بقوله تعالى: {واعملوا صالحاً} فرضاً ونفلاً سراً وجهراً غير خائفين من أحد غير الله تعالى، ثم حثهم على دوام المراقبة بقوله تعالى: {إني بما} أي: بكل شيء {تعملون عليم} أي: بالغ العلم فأجازيكم عليه، وقرأ:
{وإن هذه} بكسر