قال العارفون: هذه الواقعة كانت سبب السعادة لعمر والشقاوة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح فإنه قيل: إنه مات كافراً؛ قال الله تعالى: {يضل به كثيراً} (البقرة، 26)
ويهدي به كثيراً، المرتبة الثامنة: قوله تعالى:
{ثم إنكم بعد ذلك} أي: الأمر العظيم من الوصف بالحياة والمد فى العمر في آجال متفاوتة ما بين طفل ورضيع ومحتلم شديد وشاب نشيط وكهل عظيم وشيخ هرم إلى ما بين ذلك من شؤون لا يحيط بها إلا اللطيف الخبير {لميتون} أي: لصائرون إلى الموت لا محالة، ولذلك ذكر النعت الذي للثبوت وهو ميت دون اسم الفاعل، وهو مائت، فإنه للحدوث لا للثبوت.
المرتبة التاسعة: قوله تعالى: {ثم إنكم يوم القيامة} أي: الذي تجمع فيه جميع الخلائق {تبعثون} للحساب والجزاء.
النوع الثاني: من الدلائل الاستدلال بخلق السموات وهو قوله تعالى:
{ولقد خلقنا فوقكم} في جميع جهة الفوق في ارتفاع لا تدركونه حق الإدراك {سبع طرائق} أي: سموات جمع طريقة؛ لأنها طرق الملائكة ومتعلقاتهم، وقيل: الأفلاك لأنها طرائق الكواكب فيها مسيرها، وقيل: لأنها طرق بعضها فوق بعض كطارقة النعل، وكل شيء فوقه مثله، فهو طريقة {وما كنا} أي: بمالنا من العظمة {عن الخلق} أي: الذي خلقناه تحتها {غافلين} أي: أنّ تسقط عليهم فتهلكهم بل نمسكها كآية ويمسك السماء أنّ تقع على الأرض إلا بإذنه ولا مهملين أمرها بل نحفظها عن الزوال والاختلاف وتدبير أمرها حتى تبلغ منتهى أمرها، وما قدر لها من الكمال حسب ما اقتضته الحكمة وتعلقت به المشيئة.
النوع الثالث من الدلائل: الاستدلال بنزول الأمطار وكيفية تأثيرها في النبات، وهو قوله تعالى:
{وأنزلنا من السماء} أي: من جرمها وهو ظاهر اللفظ وعليه أكثر المفسرين أو من السحاب وسماه سماء لعلوه {ماء بقدر} أي: بقدر ما يكفيهم لمعاشهم في الزرع والغرس والشرب وأنواع المنفعة، ويسلمون معه من المضرة إذ لو كان فوق ذلك لأغرقت البحار الأقطار، ولو كان دون ذلك لأدّى إلى جفاف النبات والأشجار {فأسكناه} أي: فجعلناه ثابتاً مستقراً {في الأرض} كقوله تعالى: {فسلكه ينابيع في الأرض} (الزمر، 21) ، و «عن ابن عباس عن النبي: صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى أنزل من الجنة خمسة أنهار سيحون نهر الهند، وجيحون نهر بلخ، ودجلة والفرات نهرا العراق، والنيل نهر مصر أنزلها الله تعالى من عين واحدة من عيون الجنة من أسفل درجة من درجاتها على جناحي جبريل فاستودعها الجبال وأجراها في الأرض، وجعل فيها منافع للناس من أصناف معايشهم، فإذا كان عند خروج يأجوج ومأجوج أرسل الله تعالى جبريل فرفع من الأرض القرآن والعلم كله والحجر الأسود من ركن البيت، ومقام إبراهيم وتابوت موسى بما فيه، وهذه الأنهار الخمسة فيرفع كل ذلك إلى السماء» وذلك قوله تعالى: {وإنا على ذهاب به لقادرون} قدرة هي في نهاية العظمة، فإنّا كما قدرنا على إيجاده واختراعه نقدر على رفعه وإزالته وزواله، فإذا رفعت هذه الأشياء كلها من الأرض فقد أهلها خير الدين والدنيا؛ قال البغوي: وروى هذا الحديث الإمام الحسن بن سفيان عن عثمان بن سعيد عن سابق الإسكندري عن سلمة بن علي عن مقاتل بن حبان.
تنبيه: في تنكير ذهاب إيماء إلى تكثير طرقه، وفيه إيذان باقتدار المذهب وأنه لا يتعايا عليه شيء إذا أراده، وهو أبلغ