{والذين هم للزكاة فاعلون} أي: مؤدون.
تنبيه: الزكاة اسم مشترك بين عين ومعنى فالعين هو القدر الذي يخرجه المزكي من النصاب إلى المستحق والمعنى فعل المزكي الذي هو التزكية، وهو المراد هنا؛ لأنه ما من مصدر إلا ويعبر عن معناه بالفعل، ويقال لمحدثه: فاعل، تقول للضارب: فاعل الضرب، وللقاتل: فاعل القتل، وللمزكي: فاعل التزكية، ويجوز أنّ يراد بالزكاة العين ويقدر مضاف محذوف وهو الأداء، وقيل: الزكاة هنا هي العمل الصالح؛ لأنّ هذه السورة مكية وإنما فرضت الزكاة بالمدينة سنة اثنتين من الهجرة قال البقاعي: والظاهر أنّ التي فرضت بالمدينة هي ذات النصب، وأنّ أصل الزكاة كان واجباً بمكة كما قال تعالى في سورة الأنعام: {وآتوا حقه يوم حصاده} (الأنعام، 141)
انتهى.
الصفة الخامسة المذكورة في قوله تعالى:
{والذين هم لفروجهم} في الجماع ومقدّماته {حافظون} أي: دائماً لا يتبعونها شهوتها، والفرج اسم لسوأة الرجل والمرأة، وحفظه التعفف عن الحرام، ثم استثنى من ذلك قوله تعالى:
{إلا على أزواجهم} اللاتي استحقوا أبضاعهنّ بعقد النكاح، ولعلوّ الذكر عبر بعلى ونظيره كان زياد على البصرة أي: والياً عليها، ومنه قولهم: فلانة تحت فلان، ومن ثم سميت المرأة فراشاً، وقيل: على بمعنى من، وجرى على ذلك البغوي {أو ما ملكت إيمانهم} رقابه من الإماء. فإن قيل: هلا قال تعالى: أو من ملكت؟ أجيب: بأنه إنما عبر بما لقرب الإماء مما لا يعقل لنقصهن عن الحرائر الناقصات عن الذكر ولأنه اجتمع فيها وصفان: أحدهما: الأنوثة وهي مظنة نقصان العقل والأخرى: كونها بحيث تباع وتشترى كسائر السلع، قال البغوي: والآية في الرجال خاصة؛ لأنّ المرأة لا يجوز لها أنّ تستمتع بفرج مملوكها {فإنهم غير ملومين} على ذلك إذا كان على وجه أذن فيه الشرع دون الإتيان في غير المأتي، وفي حال الحيض أو النفاس أو نحو ذلك كوطء الأمة قبل الاستبراء، فإنه حرام ومن فعله فإنه ملوم.
{فمن ابتغى} أي: طلب متعدياً {وراء ذلك} العظيم المنفعة الذي وقع استثناؤه بزنا أو لواط أو استمناء بيد أو بهمية أو غيرها {فأولئك} المبعدون من الفلاح {هم العادون} أي: المبالغون في تعدّي الحدود، عن سعيد بن جبير قال: عذب الله تعالى أمّة كانوا يعبثون بمذاكيرهم، أي: في أيديهم، وقيل: يحشرون وأيديهم حبالى.
الصفة السادسة: المذكورة في قوله تعالى:
{والذين هم لأماناتهم} أي: في الفروج وغيرها سواء كانت بينهم وبين الله كالصلاة والصيام، أو بينهم وبين الخلق كالودائع والبضائع، أو في المعاني الباطنة كالإخلاص والصدق {وعهدهم راعون} أي: حافظون بالقيام والرعاية والإصلاح، والعهد ما عقده الشخص على نفسه فيما يقربه إلى ربه، ويقع أيضاً على ما أمر الله تعالى به كقوله تعالى: {الذين قالوا إن الله عهد إلينا} (آل عمران، 183)
تنبيه: سمي الشىء المؤتمن عليه والمعاهد عليه أمانة وعهداً، ومنه قوله تعالى: {إنّ الله يأمركم أنّ تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} (النساء، 58) ، وقال تعالى: {وتخونوا أماناتكم} (الأنفال، 37) ، وإنما تؤدّى العيون لا المعاني ويخان المؤتمن عليه لا الأمانة في نفسها. وقرأ ابن كثير: لأمانتهم بغير ألف بين النون والتاء على الإفراد لا من الإلباس أو لأنها في الأصل مصدر، والباقون بالألف على الجمع.
الصفة السابعة المذكورة في قوله تعالى:
{والذين هم على صلواتهم} التي وصفوا بالخشوع فيها {يحافظون} أي: يواظبون