في بيع نفس الأرض أمّا البناء فهو مملوك يجوز بيعه بلا خلاف أي: إذا لم يكن من أجزاء أرضها قيل: إن إسحاق الحنطيّ ناظر الشافعيّ رضي الله تعالى عنه بمكة في بيع دور مكة فاستدلّ الشافعي بما مرّ واستدلّ هو على المنع بقوله حدّثني بعض التابعين بأنها لا تباع فقال له الشافعيّ: لو قام غيرك مقامك لأمرت بفرك أذنيه، أقول لك: قال الله ورسوله تقول: حدّثني بعض التابعين وقال الرازي فقال إسحاق: فلما علمت أن الحجة لزمتني تركت قولي. وقرأ حفص سواء بالنصب على أنه ثاني مفعولي جعلناه أي: جعلناه مستوياً العاكف فيه والباد، والباقون بالرفع على أن الجملة مفعول ثان لجعلناه، ويكون للناس حالاً من الهاء ويصح أن يكون حالاً من المستكنّ في للناس بجعله مفعولاً ثانياً لجعلنا وقرأ ورش وأبو عمرو البادي بإثبات الياء بعد الدال وصلاً لا وقفاً وأثبتها ابن كثير وقفاً ووصلاً وحذفها الباقون وقفاً ووصلاً {ومن يرد فيه} أي: المسجد الحرام {بإلحاد بظلم} أي: بميل إلى الظلم والإلحاد العدول عن القصد وأصله إلحاداً لحافر وقيل: الإلحاد فيه هو الشرك وعبادة غير الله، وقيل: هو كل شيء منهيّ عنه من قول أو فعل حتى شتم الخادم، وقيل: هو دخول الحرم بغير إحرام أو ارتكاب شيء من محظورات الإحرام من قتل صيد أو قطع شجر، وقال ابن عباس: هو أن تقتل فيه من لا يقتلك، أو تظلم فيه من لا يظلمك. وقال مجاهد: هو تضاعف السيئات بمكة كما تضاعف الحسنات. وقال سعيد بن جبير: احتكار الطعام بمكة بدليل ما روى يعلى بن أمية أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ احتكار الطعام في الحرم إلحاد وعن عطاء قول الرجل في المبايعة لا والله بلى والله وعن عبد الله بن عمر أنه كان له فسطاطان أحدهما في الحل والآخر في الحرم، فإذا أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الحل فقيل له فقال كنا نحدّث أنّ من الإلحاد فيه أن يقول الرجل: لا والله وبلى والله.
تنبيه: قوله: بإلحاد بظلم حالان مترادفان ومفعول يرد متروك ليتناول كل متناول كأنه قال: ومن يرد فيه مراداً أمّا عادلاً عن القصد ظالماً {نذقه من عذاب أليم} أي: مؤلم أي: بعضه وخبر إنّ محذوف لدلالة جواب الشرط عليه تقديره إنّ الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله والمسجد الحرام نذيقهم من عذاب أليم، فكل من ارتكب فيه ذنباً فهو كذلك فينبغي لمن كان فيه أن يضبط نفسه ويسلك طريق السداد والعدل في جميع ما يهمّ به ويقصده.
ولما ذكر تعالى الفريقين وجزاء كل وختمه بذكر البيت أتبعه التذكير به فقال تعالى:
{وإذ} أي: واذكر إذ {بوأنا لإبراهيم مكان البيت} أي: جعلنا له مكان البيت مبوّأ أي: مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة، فإنّ البيت رفع إلى السماء أيام الطوفان وكان من ياقوتة حمراء فأعلم الله إبراهيم عليه السلام مكانه بريح أرسلها يقال لها: الخجوج كشفت ما حوله فبناه على أسِّهِ القديم، وقيل: بعث الله تعالى له سحابة بقدر البيت فقامت بحيال البيت وفيها رأس يتكلم يا إبراهيم ابن علي دوري فبني عليه، وعن عطاء بن أبي رباح قال: لما أهبط الله آدم عليه السلام كان رجلاه في الأرض ورأسه في السماء يسمع تسبيح أهل السماء ودعاءهم وأنس إليهم فهابت الملائكة منه حتى شكت إلى الله تعالى في دعائها، وقيل في صلاتها فأخفضه الله تعالى إلى الأرض، فلما فقدما كان يسمع منهم استوحش وقيل: أوّل من بني البيت إبراهيم لما روى وورد