موثقة ولكن يرفعهم لهبها وتردّهم مقامعها وعن الحسن قال كان عمر يقول أكثروا ذكر النار فإنّ حرّها شديد، وقعرها بعيد، وإنّ مقامعها من حديد {و} قيل لهم {ذوقوا عذاب الحريق} أي: البالغ نهاية الإحراق.
ولما ذكر تعالى مالاً حد الخصمين وهم الكافرون أتبعه ما للآخر وهم المؤمنون، وغير الأسلوب فيه حيث لم يقل والذين آمنوا عطفاً على الذين كفروا وأسند الإدخال فيه إلى الله تعالى وأكده بأنّ احماداً لحال المؤمنين وتعظيماً لشأنهم فقال {إن الله} أي الذي له الأمر كله {يدخل الذين آمنوا} بالله ورسوله {وعملوا} تصديقاً لإيمانهم {الصالحات} من الفروض والنوافل الخالصة الشاهدة بثباتهم في الإيمان {جنات تجري} أي: دائماً {من تحتها الأنهار} أي: المياه الواسعة أينما أردت من أرضها جري لك نهر في مقابلة ما يجري من فوق رؤوس أهل النار، عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال إنّ في الجنة بحر الماء وبحر العسل وبحر اللبن وبحر الخمر ثم تشقق الأنهار بعده» أخرجه الترمذي وقال: حديث صحيح {يحلون فيها} من حليت المرأة إذا لبست الحلي في مقابلة ما يزال من بواطن الكفرة وظواهرهم وقوله تعالى {من أساور} صفة مفعول محذوف أي: حلياً من أساور ومن زائدة أو تبعيضية وأساور جمع أسورة وهي جمع سوار.
ولما كان المقصود الحث على التقوى المعلية إلى الإنعام بالفضل شوّق إليه بأعلى ما يعرف من الحلية فقال {من ذهب} وقوله تعالى: {ولؤلؤ} معطوف على أساور لا على ذهب لأنه لم يعهد السوار منه إلا أن يراد المرصعة وعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنّ عليهم التيجان أدنى لؤلؤة منها لتضىء ما بين المشرق والمغرب» أخرجه الترمذي وقال: حديث غريب وقرأ نافع وعاصم بنصب الهمزة الثانية مع التنوين عطفاً على محل أساور أو إضمار الناصب مثل ويؤتون والباقون بالخفض مع التنوين وأبدل الهمزة الأولى الساكنة حرف مدّ السوسي وأبو بكر هذا حالة الوصل، وأمّا الوقف فحمزة يبدل الأولى واواً وكذا الثانية تبدل واواً له أيضاً فيها الرَّوْم وقوله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} وهو الإبريسم المحرم لبسه على الرجال المكلفين في الدنيا في مقابلة ثياب الكفار كما كان لبسا الكفار في الدنيا حريراً ولباس المؤمنين دون ذلك، وقد ورد في الصحيحين عن عبد الله ابن الزبير عن عمر رضي الله عنه أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال «لا تلبسوا الحرير فإنّ من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة»
قال ابن كثير قال عبد الله بن الزبير ومن لم يلبس الحرير في الآخرة لم يدخل الجنة قال الله تعالى: {ولباسهم فيها حرير} انتهى وفي الصحيحين أيضاً عن عمر رضي الله عنه أن أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة» قال البقاعي: فيوشك المتشبه بالكفار في لباسهم أن يلحقه الله بهم فلا يموت ملسماً اه والأولى أن يحمل ذلك على أنه لا يلبسه مع السابقين فإنّ من مات على الإسلام لا بدّ من دخوله الجنة أو على من استحله من الرجال المكلفين {وهدوا} أي: في الدنيا {إلى الطيب من القول} قال ابن عباس: